خدعة الدخان والمرايا: إستراتيجية ترامب للفوز بفترة ثانية

أقل من شهر ونصف الشهر تفصلنا عن موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية المنتظرة، والتي ستحدد ليس قاطن البيت الأبيض فحسب بل مستقبل النظام السياسي الأمريكي، مع استمرار عبث الرئيس بالأعراف السياسية والتوازنات الوطنية، ومع استمرار العد التنازلي يبدو أن معسكر ترامب بدأ بكشف أوراقه وتنفيذ خطته، لضمان انتصار مرشحهم في الثالث من نوفمبر، فعلى الرغم من الفضائح المستمرة والفشل المتكرر، ما زال لدى ترامب فرصة كبيرة للفوز، إذا تمكن من استثمار التطورات الأخيرة لصالحه، وإضعاف خصمه الذي يستعد لمواجهته على المسرح وأمام الشاشات، فما أبعاد إستراتيجية ترامب للبقاء في كرسيه بعد نهاية هذا العام؟.

البعد الأول مرتبط بشخصية خصمه وقدراته، في عام 2016 نجح ترامب في اغتيال شخصية خصومه الجمهوريين أولاً، ثم هيلاري كلينتون ليس باستخدام الحقائق، بل من خلال حملة عنيفة من الشتائم المبطنة والاستفزازات البذيئة، التي لم يستطع أن يجاريها أحد من خصومه، في هذه الحملة يريد ترامب تكرار التجربة من خلال إهانة بايدن نائب الرئيس السابق، باستخدام عمره المتقدم وصحته العقلية، يركز الرئيس في كل حديثه عن بايدن على قدراته العقلية، ويسخر من تصرفاته التي تدل على كبر سنه، ويردف ذلك بالهمز واللمز حول ما أثير إعلامياً حول ما اعتبرت تصرفات غير مقبولة من بايدن في تعامله مع بعض النساء، ولا شك أنه في المناظرات سيحاول البناء على ذلك، وهدم شخصية بايدن المتزنة أمام الشاشات، ليبدو ضعيفاً مهزوزاً، لعدم قدرته على التعاطي مع إهانات ترامب ولغته المستفزة.

أما في السياق الوطني الأمريكي فمن الواضح أن ترامب يريد البناء على حالة الاستقطاب التي اجتاحت المجتمع الأمريكي في الآونة الأخيرة، باللعب على وتري الأمن والحرية الشخصية، مشاهد المظاهرات التي اتسم بعضها بالعنف وخاصة في ولايات حكامها من الديمقراطيين؛ وفرت وقوداً مهماً لخطاب ترامب حول أهمية الأمن وحكم القانون، وقيامه بإرسال قوات أمنية فيدرالية في مواجهة المتظاهرين، كان استغلالاً فجاً لسلطته في إطار تحقيق مكاسب سياسية، من الناحية الأخرى فإن نسبة ليست بالبسيطة من الأمريكيين يقاومون الإجراءات الحكومية للحد من انتشار كورونا مثل؛ لبس الأقنعة والتباعد الاجتماعي باعتبارها تدخلا حكوميا في الحريات الشخصية، يغذي ترامب هذا الخطاب، ويعزز رواية مؤامراتية حوله انتشرت في وسائل التواصل الاجتماعي باسم "QAnon" ليربك الطرف الآخر، ويعزز فكرة أنه وحده القادر على حماية المواطن الأمريكي المحافظ من حكومة الظل والليبراليين المتطرفين، وجاءت وفاة روث جينسببيرغ القاضية الليبرالية في المحكمة العليا فرصة ذهبية للرئيس لتوظيف معركة تعيين بديل لها، والذي يتم من خلال ترشيح الرئيس في معركته الانتخابية، وسيكون لذلك أثر كبير في حشد أصوات المحافظين وتغذية حدة الاستقطاب خلال الشهرين القادمين.

على مستوى السياسة الخارجية لم يتمكن ترامب خلال سنوات حكمه الأربع من أن يحقق انتصاراً حقيقياً على الساحة الدولية، وفشل في تحقيق وعوده، خاصة تلك المرتبطة بمواجهة كوريا الشمالية وإيران، وما زال سلوكه الغريب تجاه الصين وروسيا مربكاً لفريقه قبل خصومه، ولتجاوز ذلك يبدو أن الرئيس يريد استخدام التضليل، لإرساء صورة الرجل القوي خارجياً، من خلال عدد كبير من الأحداث الصغيرة التي تبدو وكأنها انتصارات أو على الأقل مواجهات خارجية ناجحة، يبدأ ذلك من معركة موقع تيك توك وإجباره على الانصياع لمطالبات الانفصال عن ملاكه الصينيين أو مواجهة الحجب، مروراً بإعلانات التطبيع والحديث حول سلام جديد في الشرق الأوسط، للتغطية على فشل صفقة القرن، وانتهاءً بإعادة فرض كامل العقوبات على طهران، في إرباك للمشهد واستجداء لتصريحات عدائية إيرانية ومواقف مضادة أوروبياً، بالتالي وفي إطار خدعة الدخان والمرايا هذه يظهر ترامب وكأنه أكثر الرؤساء نشاطاً في الساحة الخارجية.

أخيراً يحاول الرئيس الاستعداد إجرائياً لجموع المصوتين ضده من خلال إستراتيجيتين؛ الأولى هي تصعيب التصويت عبر البريد، مما يقلل فرص التصويت بالنسبة لنوعين من الناس، أولئك الذين يتبعون إجراءات التباعد الاجتماعي، والفئات الأفقر في المدن، وخاصة الأقليات الذين لا يريدون ترك أعمالهم ورواتبهم اليومية للتفرغ للتصويت في الانتخابات، وهم في الغالب من المعسكر المضاد، في الوقت نفسه يحرص ترامب على الربط بين التصويت بالبريد والتدخلات الخارجية، في محاولة للتغطية على تدخل الروس لصالحه في منصات التواصل الاجتماعي في 2016 وللإعداد لمعركة قانونية إجرائية طويلة حال خسر الانتخابات، وقد رفض ترامب التعهد بالقبول بنتيجة الانتخابات مسبقاً، بدعوى أنه لا يمكنه ذلك حتى تظهر النتائج، ما يشير إلى تجهيزه سيناريو الجدل القانوني حول الفوز أو الخسارة.

في الانتخابات الأمريكية بشكل عام، يصعب التكهن بالنتائج حتى الأيام الأخيرة للحملة، خاصة مع تسارع الأحداث وإمكانية أن يقلب أحدها أو مجموعة منها الموازين لصالح هذا المرشح أو ذاك، النتيجة في انتخابات هذا العام أكثر تعقيداً، خاصة أن المعركة يبدو أنها ستمتد أبعد من تاريخ الثالث من نوفمبر في حال خسر ترامب، باستخدام التضليل والاستقطاب والحيل القانونية، يريد ترامب فترة ثانية يستكمل فيها مشروع الفوضى الذي أدخل الولايات المتحدة والعالم فيها، فهل ينجح في تحقيق فوز آخر؟ وهل يتحمل هذا الكوكب أربع سنوات أخرى من ترامب؟.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أفغانستان بداية جديدة أم استمرار للصراع؟

“أوكيس” طعنة ثلاثية في الظهر الفرنسي

قمة أخرى...وشائعات جديدة