لماذا اغتيل فخري زاده؟

نشرت وكالة فارس الإيرانية قصة أقرب للخيال حول اغتيال محسن فخري زاده مساعد وزير الدفاع مسؤول الابتكار والتكنولوجيا بوزارة الدفاع والعالم النووي ذو الدور المركزي في البرنامج النووي الإيراني، تقول الوكالة أن الاغتيال تم عن بعد من خلال سيارة تم تجهيزها برشاش مثبت والتحكم بها عن بعد وتم تفجيرها مباشرة بعد إطلاق النار على موكب فخري زاده الذي كان متوجهاً رفقة زوجته وفريق الحماية لقضاء عطلة نهاية الأسبوع في منزله بضواحي طهران، تتناقض هذه القصة مع المعلومات الأولية التي كانت تشير إلى مواجهة بين فريق الحماية وفريق الاغتيال، وأياً كانت الحقيقية فلا شك أن هذه العملية تمثل ضربة نوعية قاسية لطهران، خاصة وأنها تأتي في ذات العام الذي خسر فيه النظام رأس حربته في أنشطته العسكرية الخارجية قاسم سليماني.

أهمية هذا الاغتيال تكمن في بعدين رئيسيين، الأول مرتبط بشخص فخري زاده ومجال عمله، فكما هو معلوم في مجال التسليح النووي ليس من السهل إعداد كوادر على مستوى عال من الخبرة والمعرفة حيث أن معظم ما يرتبط بهذا المجال هو من أسرار دول النادي النووي أو على الأقل ليس أمراً يمكن ابتعاث الطلاب لدراسة تفاصيله بسهولة، والعلماء النوويون الإيرانيون اغتيل عدد غير بسيط منهم خلال العشر سنوات الماضية بطرق مشابهة، لا شك أن هذا الاغتيال سيؤخر البرنامج النووي الإيراني سنوات، البعد الثاني يرتبط بالتوقيت من حيث العلاقة مع الغرب، فمنذ خسارة ترمب للانتخابات بدأت طهران تغيير خطابها نحو واشنطن تأهباً لإدارة بايدن الذي صرح مراراً بضرورة العودة إلى الاتفاق النووي، ومع اقتراب موعد الانتخابات الإيرانية كانت طهران تستعد لمرحلة جديدة تتنفس فيها الصعداء اقتصادياً عبر مفاوضات جديدة وتعيد تموضعها عالمياً من خلال إدارة أقل صلابة في الموقف تجاهها في واشنطن، جاء هذا الاغتيال ليعقد المشهد، ولكن من المهم هنا أن نتذكر أنه وحتى بعد اغتيال قاسم سليماني لم تقم طهران بأعمال عدوانية كبيرة للانتقام، بل اكتفت بردود باهتة، التصريحات الرسمية الإيرانية اليوم تتوعد برد مزلزل، لكن حجم الرهان كبير والاقتصاد الإيراني لن يتحمل مواجهة حقيقية في المنطقة.

يبدو أن الهدف الرئيسي من وراء هذا الاغتيال هو تأخير قدرة إيران على الاستفادة من أي مساحة تتوفر لها من خلال فترة مفاوضات جديدة أو اتفاق نووي جديد في تطوير قدراتها النووية، كما تشكل فرصة لوضع النظام بين المطرقة والسندان، إما يرد فيخسر مكتسبات المرحلة القادمة مع بايدن أو يضبط مكوناته لعدم الرد ما قد يسبب توتر بين المؤسسات خاصة وأن فخري زاده يعتبر كذلك من قيادات الحرس الثوري، السيناريوهات أمام الإيرانيين محدودة ولكن يبدو أن السيناريو الأقرب هو القيام برد محدود من خلال أحد وكلاء إيران في المنطقة باستهداف غير مباشر للمصالح الأمريكية.

هذا الاغتيال ليس الأول ولن يكون الأخير، لو افترضنا أن الاتهام الإيراني لتل أبيب صحيح، فإن هذه الأخيرة مستمرة في استهداف العلماء النوويين في المنطقة المرتبطين ببرامج تسليح في إيران وغيرها، ولكن الذي يختلف اليوم هو كمية التحديات الكبرى التي تواجه إيران ومساحات الاحتكاك الكبيرة بين إيران وبقية اللاعبين في المنطقة، يبدو أننا كما استقبلنا 2020 بشرارة المواجهة الأمريكية الإيرانية سنستقبل العام القادم بشرارة توتر جديدة مركزها طهران ومداها غير معروف.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أفغانستان بداية جديدة أم استمرار للصراع؟

“أوكيس” طعنة ثلاثية في الظهر الفرنسي

قمة أخرى...وشائعات جديدة