الصين وكورونا والمناخ.. ثلاثية بايدن

لكل إدارة أمريكية أولويات تتركز حولها سياستها الخارجية، ومع إدارة بايدن يسيطر هاجس استعادة حالة طبيعية لوجود الولايات المتحدة في المجتمع الدولي على اتخاذ القرار وتحديد الأولويات في الملفات الخارجية، وبناءً على ذلك ومنذ يومها الأول وضع بايدن وفريقه ثلاث أولويات رئيسية، مواجهة تمدد الصين وخاصة في مجال التكنولوجيا، ومكافحة فيروس كورونا المستجد ومتحوراته وتبعاته، والملف التقليدي للإدارات الديمقراطية وهو مكافحة تغير المناخ.

بالنسبة للصين تواصل إدارة بايدن المسار المتشدد للإدارة السابقة، ولكن التركيز هذه المرة ينصب على حشد المجتمع الدولي وخاصة القوى الغربية ضد الصين، كما رأينا في قمة الناتو الأخيرة، حيث ضغطت واشنطن على حلفائها لإدراج عبارة صارمة هي الأولى من نوعها في بيانات الحلف، كما تسعى الإدارة إلى إعادة الاستقرار إلى تحالفاتها مع كل من اليابان وكوريا الجنوبية والهند لمواجهة تمدد الصين في نطاقها الاستراتيجي، بالإضافة إلى محاولة كبح جماح التمدد التكنولوجي وخاصة في مجال الاتصالات وتحديداً تكنولوجيا ال5G.

هذه المحاولات الأمريكية ستستمر ولكن هناك ترددا في السير خلف واشنطن لدى حلفائها الذين لا يريدون التحول إلى أدوات في الصراع بين القوتين، خاصة وأن إدارة ترامب عرضت لهم ما يمكن أن يحدث في حال تخلت واشنطن عن أدوارها التقليدية فجأةً، كما أن المارد الصناعي التكنولوجي الصيني الذي خرج من قمقمه قبل سنوات لا يمكن للصناعات الأمريكية الاستغناء عنه ناهيك عن منافسته.

على صعيد الجائحة العالمية المستمرة، تحاول الإدارة الأمريكية أن تستعجل في العودة إلى الحالة الطبيعية بعد العديد من الإجراءات الصارمة التي اتخذتها في أيامها الأولى، العديد من الولايات الأمريكية رفعت معظم الإجراءات المرتبطة بمكافحة انتشار الفيروس، والإدارة ذاتها تبشر بحذر عبر مستشار الرئيس فاوتشي بأن المرض في إطار الانحسار، وإن كانت المؤشرات في بعض الولايات الشمالية تشير إلى موجة جديدة مرتبطة بمتحور دلتا العنيف، والذي بدأت بعض الدراسات الميدانية تشير إلى قدرة أعلى لديه على تجاوز التطعيمات المختلفة، دولياً حاولت إدارة بايدن استعادة زمام المبادرة من خلال العودة إلى دعم منظمة الصحة العالمية والجهود الدولية مثل صندوق كوفاكس، ولكن من الواضح أن حجم الكارثة أمريكياً ومستوى الانسحاب الأمريكي في عهد بايدن أخر من فرص أن تظهر الولايات المتحدة كقائد عالمي في مكافحة الجائحة، ومع ذلك يبقى أن المؤسسات الأمريكية سواء الشركات مثل فايزر وجونسون أند جونسون أو وكالة الغذاء والدواء ومركز مكافحة الأمراض الانتقالية في واجهة المشهد الدولي.

في ملف المناخ كلف الرئيس بايدن وزير الخارجية السابق جون كيري بتولي الملف لإظهار مستوى الاهتمام به، كما تعهد بايدن بأن تعمل إدارته على خفض الانبعاثات الكربونية بالنصف بحلول عام 2030 وإلى صفر في عام 2050، تماشياً مع التزامات اتفاق باريس، كما وجه بايدن الاحتياطي المركزي إلى تقديم تقرير حول تأثير التغير المناخي على المصالح الحكومية ووضع آليات لمكافحة التأثيرات السلبية.

كل هذه الإجراءات تأتي متناغمة مع سلوك الإدارات الديمقراطية المحلية والفيدرالية ولكن التحدي هذه المرة أكبر، خاصة وأن الاقتصاد الذي يطمح للتعافي بعد الجائحة يصعب عليه التماشي مع هذه القرارات، وفي الوقت نفسه منافسة الصين التي استعادت كامل طاقتها الصناعية قبل بقية العالم، ولذلك يستغل الجمهوريون هذا الملف تحديداً لإظهار أن الإدارة تخوض حملة يسارية على القيم الأمريكية الرأسمالية.

هذه الأولويات تمثل خريطة طريق مؤقتة للإدارة، فعلى الرغم من محاولة التخارج من أزمات العالم الأخرى مثل أفغانستان والقضية الفلسطينية والتحدي الروسي وغيرها، إلا أن هذه الأزمات ستفرض نفسها على أجندة بايدن قريباً مع التطورات المتسارعة فيها، كما أن الانتخابات النصفية للكونغرس في نهاية 2022 ستكون اختباراً لقدرة الإدارة على المضي قدماً في هذه الملفات، حيث لا يستبعد أن يخسر الديمقراطيون أغلبيتهم الضئيلة في مجلس الشيوخ، وفي نهاية المطاف، توضع الأولويات للفوز بالانتخابات ويعمل بها لمحاولة الفوز في الانتخابات التالية ولكن الواقع يفرض نفسه على أي أجندة ويوجهها حيث شاء.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أفغانستان بداية جديدة أم استمرار للصراع؟

“أوكيس” طعنة ثلاثية في الظهر الفرنسي

قمة أخرى...وشائعات جديدة