مرة أخرى.. نتنياهو الفائز الخاسر

بعد رابع انتخابات خلال عامين، أعلنت السلطات في تل أبيب أرقام المشاركة التي شكلت تراجعاً كبيراً عن الأرقام الكبيرة المعتادة، حيث لم تتعد نسبة المشاركة هذه المرة 67%، وهو رقم منخفض مقارنة بالانتخابات السابقة، خاصة إذا ما أخذنا بالحسبان حالة حدة الاستقطاب السياسي، ومع إعلان النتائج اتضح أن حلم تحالف الأحزاب المعارضة في إسقاط نتنياهو لن يتحقق، حيث حصل حزب الليكود الذي يحتل نتنياهو دوراً قيادياً فيه منذ أكثر من ثلاثة عقود، 30 مقعداً من أصل مقاعد الكنيست المائة والعشرين، بينما حصلت أحزاب اليمين المتطرف المؤيدة لتحالف حكومي يرأسه رئيس الوزراء الحالي مثل "شاس" وحزب "اليهودية التوراتية" و"الصهيونية الدينية" على 22 مقعداً، علماً بأن هناك 6 مقاعد هندسها نتنياهو من خلال عمله على دفع ثلاثة أحزاب متطرفة للاندماج، حتى تتمكن من الحصول على نسبة من الأصوات تمكنها من دخول قبة الكنيست، بالتالي أصبح عدد الأعضاء المرتقبين الذين سيصوتون مع الحكومة الجديدة 58 مقعداً، مما يجعله بحاجة لشريك آخر حتى يشكل الحكومة.

التحالف المضاد استطاع من ناحيته الحصول على 52 مقعداً فقط، لا يجمع هذه الأحزاب إلا الرغبة في التخلص من نتنياهو، لذلك يستبعد أن تكون قادرة على تشكيل حكومة تحالف تطيح برئيس الوزراء الذي أصبح الآن صاحب أطول فترة حكم في تاريخ الكيان، تضم هذه الأحزاب أحزابا يمينية مثل "إسرائيل بيتنا" الذي يرأسه وزير الخارجية السابق ليبرمان، وحزبين لحلفاء سابقين لنتنياهو هما حزب "يامينا" الذي يرأسه بينيت، وحزب "الأمل الجديد" بزعامة سائار، ولكن الحزب صاحب العدد الأكبر من المقاعد بعد الليكود هو حزب "يش عتيد" (هناك أمل) حزب الوسط العلماني، والذي يتزعمه يائير لبيد، هذا الحزب الذي تعهد نتنياهو بعدم مشاركة السلطة معه حال فوزه قد يمثل صانع ملوك في حال قبل المشاركة في حكومة ائتلافية مع اليمين المعارض وتحديداً حزبي "يامينا" و"إسرائيل بيتنا" وربما الأمل الجديد.


القائمة المشتركة والتي كانت حتى فبراير الماضي تمثل كل أحزاب فلسطينيي الداخل أو على الأقل من يقبل المشاركة في الانتخابات منهم ترفض من حيث المبدأ المشاركة في الحكومات الإسرائيلية ولكن انشقاقاً قاده منصور عباس المنتمي لحزب الحركة الإسلامية (الشق الجنوبي) وزعيم القائمة العربية الموحدة أدى إلى وجود قائمتين عربيتين، حيث نجحت هذه الأخيرة في حصد 5 مقاعد، بينما حصدت القائمة المشتركة 6 مقاعد، الفارق هنا هو أن منصور عباس كان صرح باستعداد قائمته للتواصل مع أي تكتل كان يمينياً أو يسارياً، طالما كان ذلك في إطار تحقيق مصالح لفلسطينيي الداخل، هذا الأمر جعل بعض قيادات الليكود ويامينا يصرحون برغبتهم في التواصل معه، حيث يمكن لمقاعده أن تحدد من يكون رئيس الحكومة المقبل.

على الرغم من الإنجازات التي حاولت حملة نتنياهو تسويقها مثل نسبة التطعيم العالية، والحصول على اعتراف بالجولان، ونقل السفارة الأمريكية إلى القدس، والاتفاقات الإبراهيمية، إلا أن الداخل الإسرائيلي ضاق ذرعاً بفضائح نتنياهو المتتالية وعجرفته السياسية وحالة الانقسام التي كرسها داخل الكيان، وفي العلاقة مع يهود الولايات المتحدة، أياً كانت نتيجة محاولات تشكيل الحكومة في المرحلة القادمة فإنه ليس هناك سيناريو تتشكل معه حكومة قوية ومستقرة، بل تكرار لسيناريو الانتخابات المبكرة واستمرار الصراع بين اليمين واليمين المتطرف، من المؤسف ألا يكون في الجانب الفلسطيني موقف قوي وموحد يمكن من استغلال هذا الضعف الإسرائيلي الداخلي في المواجهة، ولكن ما لا شك فيه أن صورة الكيان كقوة سياسية مستقرة في بحر من انعدام الاستقرار لم تعد واردة، فتل أبيب تغرق اليوم في طوفان من التطرف والفساد السياسي، وطبعاً سيبقى هناك في منطقتنا من يضرب بها المثل، فالهزيمة النفسية تجعلها "عنزة ولو طارت".

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أفغانستان بداية جديدة أم استمرار للصراع؟

“أوكيس” طعنة ثلاثية في الظهر الفرنسي

قمة أخرى...وشائعات جديدة