قطر بعد 4 سنوات.. الحفاظ على المكتسبات

أربع سنوات مضت على أحد أهم المنعطفات التي مرت بها بلادنا في تاريخها، هذا المنعطف الذي أعاد تشكيل الوعي الشعبي والرسمي كانت له انعكاسات على كافة مناحي الحياة، فمن تطوير الصناعات الأساسية كالألبان والأغذية مرورا باللحمة الوطنية وتنمية حس المواطنة وانتهاء بإعادة تمركز السياسة الخارجية القطرية لا يكاد يخلو جانب في هذه الدولة من تأثير مباشر للأزمة، معظم هذه التأثيرات كانت إيجابية في إطار تحقيق طموحات الوطن المستقل ذي السيادة، وبعد أن بدأت الصفحة تطوى تدريجياً باتجاه انتهاء الأزمة تبقى آلامها وإنجازاتها حاضرة في الأذهان مع تساؤل مهم، هل ستكون المكتسبات التي تحققت خلالها دائمة أم مرتبطة بظروف الأزمة وحسب؟

لا يجب أن نكون مبالغين في التفاؤل بأن كل ما تحقق خلال هذه الأزمة سيستمر بعدها في حالة تصاعدية فهذه ليست طبيعة التحولات الاجتماعية والسياسية عبر التاريخ، لا شك أننا سنمر بتحديات جديدة وأن غياب المؤثر الخارجي قد يؤدي إلى تراجع بعض الأجواء الإيجابية التي تشكلت بسبب وجود المهدد الخارجي، كما أننا يجب أن ندرك أن الأزمة وإن طويت صفحتها إلا أنها لا تعني أن الأمن الوطني القطري لم يعد أولوية حاسمة، التطورات من حولنا متسارعة والأزمات متلاحقة، وعليه لا بد أن نحافظ على ما تحقق من مكتسبات خاصة تلك المرتبطة بتطوير القدرات الدفاعية والأمنية وبالحفاظ على اللحمة الوطنية وتحقيق الاكتفاء الذاتي، هذه المهمة ليست سهلة خاصة مع الإحساس العام بإمكانية التراخي لزوال آنية التهديد، هي بحاجة لسياسات مستمرة توفر محفزاً داخلياً يعادل في حجمه التحدي الخارجي.

هذا المحفز الداخلي ليس شيئاً واحداً، هو عبارة عن حالة عامة تنتج عن تبني منظومة سياسات تشجع الإنتاجية وتضع نصب عين المواطن أهدافاً وطنية واضحة لتحقيقها، بالإضافة إلى روح إيجابية تذوب الفوارق بين مكونات المجتمع وتعزز الإيمان بمبادئ المواطنة، ناهيك طبعاً عن وجود قاطرة رسمية للمزاج العام من خلال مبادرات كبرى تحرك مؤسسات الدولة والمجتمع باتجاه واحد، إذا استطعنا تصميم هذه البيئة حول المواطن والمؤسسات سنتمكن من المحافظة على حالة الصعود الإيجابي ونتلافى الآثار المتوقعة للانكفاء النفسي على الداخل.

القادم سيشهد تحديات واستحقاقات كبيرة على المستوى الوطني، ولدينا من المقدرات السياسية والاقتصادية والبشرية الأدوات اللازمة لتحقيق نقلات متعددة في مجتمعنا وفي المنطقة والعالم، الخطر المحدق بنا هو أن نبطئ المسير ونركن لحالة الاستقرار فيتراجع النمو وتتراجع التحولات الإيجابية وتعود الإشكالات المنتجة للتذمر وللخلافات الاجتماعية، وفي ذلك كلنا يتحمل المسؤولية، فإهمال الفرد في عمله أو تقاعس المؤسسة عن التطوير أو غياب السياسات الحكومية المحفزة كلها مسببات للتراجع الوطني، هذه التجربة الصعبة التي عشناها معاً يجب أن لا تنسى، وخير سبيل إلى ذلك هو الاستمرار في روح البناء واستكمال المكتسبات، حفظ الله بلادنا ووفقنا لنكون شامة بين الأمم.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أفغانستان بداية جديدة أم استمرار للصراع؟

“أوكيس” طعنة ثلاثية في الظهر الفرنسي

قمة أخرى...وشائعات جديدة