هل رحل نتنياهو؟

بعد 12 عاماً في كرسي رئاسة وزراء الكيان الصهيوني، يغادر بنيامين نتنياهو منصبه للمرة الثانية متوعداً بعودة سريعة وبالاستمرار في إثارة القلاقل في المجتمع السياسي الإسرائيلي من قيادة المعارضة اليمينية المتطرفة، متسلحاً بخطاب استعاره على ما يبدو من الرئيس الأمريكي السابق ترامب، خاطب نتنياهو الكنيست مندداً بالائتلاف الجديد، ومنذراً من فشل مرتقب في مواجهة إيران وواشنطن، يغادر نتنياهو محملاً بجرائمه المتنوعة من مجازره المروعة وسياساته العنصرية وحتى جرائم الفساد التي يحاكم عليها حالياً، ولكن هل هو الرحيل الأخير لهذه الشخصية النرجسية العدوانية؟.

منذ يومه الأول عرف عن نتنياهو في الوسط السياسي الإسرائيلي انتهازيته وتحالفاته الهشة وقدرته على التضحية بأقرب المقربين، نجح خلال العقدين الماضيين في إعادة تعريف المحور السياسي الإسرائيلي عبر دفعه باتجاه اليمين، وإدخال عدد كبير من أحزاب اليمين المتطرف إلى وسط المحور السياسي، حتى بات الصراع بين اليمين واليمين، ولم يغادر المنصب حتى بات المشهد السياسي في تل أبيب متشظياً إلى درجة لا يكاد يعرف فيها شكل المستقبل السياسي هناك.

على مستوى علاقات الكيان المحتل الدولية، اتسمت فترة نتنياهو بإخفاقات كبرى وتراجع لسردية الضحية التي استخدمها سياسيو الكيان منذ تأسيسه، حصلت فلسطين على عدد من الاعترافات الأممية، على رأسها كرسي غير عضو في الجمعية العامة، واعترافات بالدولة الفلسطينية من قبل عدد من الدول الأوروبية، ناهيك عن الخلافات الأخيرة مع واشنطن، ولا يملك نتنياهو سوى الاتفاقات الإبراهيمية ليسوقها كنجاح دبلوماسي، وطبعاً لم يكن له دور مباشر فيه، بل إن الأساس للاتفاقات وهو صفقة القرن فشل في تحقيق أبسط أهدافه.

بغض النظر عن دور الأحداث الأخيرة في الإطاحة بنتنياهو، فإن التحالف ضده ليس تحالفاً مختلفاً عن خطه السياسي بقدر ما هو يستهدف شخصه وسياساته الفوضوية داخلياً، ولكن حماقاته خلال الأحداث الأخيرة عززت من موقف منافسيه الذين بدأوا عهدهم بوعد بالعودة إلى حالة من الاستقرار السياسي والقرارات المدروسة حول مواجهة المقاومة، هذا الحلم بالاستقرار لا تؤيده المعطيات على الأرض، فهذا الائتلاف هش إلى أبعد حد، ونتنياهو واليمين المتطرف سيفعلون كل ما في وسعهم لإفشاله، وقد بدأ ذلك مع أول خطاب لرئيس الوزراء الجديد بينيت، حيث أثار أعضاء حزب الصهيونية الدينية الفوضى خلال الخطاب وطردوا من القاعة.

تستمر حالة عدم الاستقرار في الكيان الصهيوني في مقابل نمو في قدرات المقاومة الفلسطينية، هذا التراجع الصهيوني فرصة لو كان في الجهة الأخرى مواقف فلسطينية وعربية ناضجة وراسخة وموحدة، نتنياهو من خلال الفوضى التي أثارها وسيثيرها سيزيد الطبقة السياسية الصهيونية تشظياً، ولا نرجو سوى أن يتفق ذلك مع توافق أكبر فلسطينياً وعربياً يستثمر هذا الضعف لتحقيق العدالة وهزيمة الاحتلال.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أفغانستان بداية جديدة أم استمرار للصراع؟

“أوكيس” طعنة ثلاثية في الظهر الفرنسي

قمة أخرى...وشائعات جديدة