بايدن...الثابت والمتحول



عدد من مقالات الرأي والتقارير الصادرة عن شخصيات ومراكز أبحاث ذات توجه ليبرالي في الولايات المتحدة وجهت انتقادات لإدارة بايدن، وصفوه بالتأخر في تطبيق أجندة ليبرالية في السياسة الخارجية، اليسار الأمريكي كان يرغب في رؤية التفاتة كاملة للوراء بعيداً عن سياسات سلفه الفوضوية، واتجاهاً نحو سياسة خارجية تتخذ من قضايا حقوق الإنسان والبيئة والديمقراطية أولويات رئيسية، ولكن، وكما هو متوقع في عالم السياسة، أخذ فريق السياسة الخارجية الأمريكي اتجاهاً أكثر تقليدية في تعامله مع التحديات التي خلفتها الإدارة السابقة.



على الرغم من تصريحات هنا وهناك داعمة لحقوق الإنسان، إلا أن الإدارة لم تغير جذرياً أي مواقف سابقة، ولم تتخذ حتى مواقف حاسمة من تطورات حديثة في الساحة، مثل الانقلاب العسكري في ميانمار، أما الموقف من قضايا المنطقة وعلى رأسها القضية الفلسطينية فراوح مكانه بدون حتى استعادة الموقف التقليدي من الصراع، على الرغم من العلاقة المضطربة بين بايدن ونتنياهو، وتدريجياً عاد دفء العلاقات مع الدول التي كان يتوقع أن تعاقب على تدخلها في الشأن الأمريكي أو اتخاذها مواقف معادية، بشكل عام لا يبدو أن هناك تحولاً حقيقياً في السياسة الخارجية بقدر ما هو انحسار تدريجي لآثار المرحلة السابقة.





في الوقت نفسه فإن الإدارة واعية لحاجتها إلى انتصارات إعلامية أمام القواعد اليسارية، كما كان ترامب بحاجة لانتصارات شبيهة مع قواعده، وعليه رأينا بالإضافة إلى القضايا المحلية المتعلقة بحقوق الأقليات، الإعلان الأمريكي بالاعتراف بأن ما حدث عام ١٩١٥ في الدولة العثمانية كان يمثل إبادة جماعية، هذا الإعلان لا يغير أي واقع على الأرض سوى إرضاء اليسار من ناحية وأرمينيا من ناحية أخرى، وكما كان الحال حين أعلن ترامب عن تغيير الموقف التاريخي لواشنطن تجاه القدس، فإن هذا القرار "التاريخي" واجه ردود أفعال متباينة، ولا يمكن أن يحقق مكسبا استراتيجيا للإدارة أو واشنطن، وفي المقابل حرصت واشنطن على الإعلان عن قمة بين الرئيس التركي وبايدن حتى تخفف من أثر الإعلان، مثل هذه القرارات هدفها إظهار وجه حاسم للإدارة أمام القواعد الانتخابية، وكما كان الأمر للإدارة السابقة ستشتري هذه القرارات مواقف محدودة تتبخر مع أول تحد مختلف أمام الناخبين.





إدارة بايدن، كما كانت جميع الإدارات الديمقراطية التقليدية في الولايات المتحدة، ستكون سمتها الأساسية التردد والحذر البالغ في اتخاذ مواقف حاسمة تجاه أي قضية، وهذا في الحقيقة ليس شيئاً سيئاً بالضرورة، العالم بحاجة لشيء من الهدوء، وحتى الآن ساهمت هذه السياسة الهادئة في صناعة حالة ترقب هي بمجملها مفيدة في حالات الصراع الرئيسية، مع استثناء أوكرانيا التي تعقد الوضع فيها سريعا، أما أولئك الذين كانوا يريدون من بايدن أن يغير وجه السياسة الخارجية الأمريكية فمصيرهم إحباط مشابه لذلك الذي واجهوه مع أوباما وتردده في الربيع العربي، لن تكون واشنطن يوماً ولا غيرها من عواصم القوة العالمية أدوات للتغيير الإيجابي في هذا العالم.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أفغانستان بداية جديدة أم استمرار للصراع؟

“أوكيس” طعنة ثلاثية في الظهر الفرنسي

قمة أخرى...وشائعات جديدة