هي القدس



التقيت خلال دراستي الجامعية بأحد المبتعثين الفلسطينيين من عرب الداخل، وبعد فترة من التعارف أسر لي أنه فوجئ باهتمامنا بالشأن الفلسطيني وتوددنا تجاهه، كان يظن حسب تعبيره أن الخليجيين المترفين بعيدون كل البعد عن قضيتهم، كان يقول مازحاً سأجمع الناس عندما أعود لأخبرهم عنكم، كان هذا في بدايات عام 2003، لاشك أن تطور وسائل التواصل الاجتماعي وثورة الاتصال بمختلف تجلياتها قربت المسافات حتى صار الفلسطيني يرى ويسمع تفاعل العالم الإسلامي كله معه بشكل يومي، وأحداث القدس الأخيرة أثبتت أنه على الرغم من سرعة قطار التطبيع والصدمات المتتالية تبقى القدس هي البوصلة، وهي الدافع الذي يحرك كل ساكن في مجتمعاتنا.نفس الزميل الفلسطيني أخبرني مرة أن سلطات الاحتلال وفي محاولة منها لتقليل أعداد المصلين في الأقصى بدأت التضييق على المصلين القادمين من الضفة والأراضي الفلسطينية، كان التعويل هو على قلة المصلين القادمين من الداخل بعد عقود من محاولات تدجينهم وإبعادهم عن دينهم وقضيتهم، ولكن شاء الله أن تنطلق الصحوة في الداخل بشكل متزامن مع هذا التضييق وبدأت بعدها الحملات للصلاة في الأقصى ليعوض أهل الداخل النقص الناجم عن التضييق على القادمين من الخارج، كل سياسات الاحتلال لإفراغ المسجد من المصلين على مدار السنين فشلت ليزيد تعداد المصلين وتزيد قوافل الوافدين إلى الأقصى.

قال النبي عليه أفضل الصلاة والتسليم: "لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم إلا ما أصابهم من لأواء، حتى يأتيهم أمر الله. وهم كذلك"، قالوا: يا رسول الله وأين هم؟ قال: "ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس" وما عشناه في أحداث القدس التي تتالت من انتفاضة الأقصى وحتى أحداث الأيام القليلة الماضية هو مصداق كلام النبي صلى الله عليه وسلم، فمع كل ما يقال وما يفعل لإفراغ القدس وقتل قضيتها يبقى حول المسجد الأقصى من يقهر المحتل، بعد الأحداث الدامية بيوم واحد أغلق الطريق الرئيس المؤدي إلى عاصمة الكيان من القدس حين أرادت سلطات الاحتلال منع المصلين القادمين من المدن المختلفة، لم تمنعهم أنباء المواجهات العنيفة ولا الدماء التي سالت في ساحات الأقصى، وفي النهاية اضطر الاحتلال إلى فتح الطريق ليحيي أكثر من تسعين ألفاً تلك الليلة في مشهد كان بلا شك محبطاً لمن راهن على انطفاء جذوة الدفاع عن الأقصى.

في خضم تلك الأحداث ضجت وسائل التواصل الاجتماعي متابعةً ودعاءً وتفاعلاً، وانكمشت جيوش التطبيع الإلكترونية أمام هذا الزخم الهائل، بل رأينا التفاعل العالمي يلتحم بشكل استثنائي مع تفاعل المسلمين، فيخرج المشاهير والسياسيون الغربيون داعمين لصمود أهل القدس وتمتلئ منصات التواصل الاجتماعي بمقاطع الفيديو والصور التي توثق جرائم الاحتلال، هذه قضية عادلة تكفل الله بحفظها وما يجب أن يقلقنا فقط هو أن نكون حاضرين في الدفاع عنها، فاحفظ اللهم المسجد الأقصى وبارك في صمود أهله وارزقنا المساهمة في الدفاع عنه ما حيينا.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أفغانستان بداية جديدة أم استمرار للصراع؟

“أوكيس” طعنة ثلاثية في الظهر الفرنسي

قمة أخرى...وشائعات جديدة