حصاد الخسائر الإسرائيلية

خلال الأيام الماضية ارتفع عدد الشهداء في الجانب الفلسطيني بشكل ملحوظ، فكما هو متوقع سارع الكيان إلى إظهار وحشيته باستهداف المدنيين من الأطفال والنساء والإعلاميين دون أي اعتبار لاتفاقيات أو عهود دولية أو مراعاة لأبسط مبادئ حقوق الإنسان، وسارع العديد من المرجفين إلى سردية الصواريخ العبثية، معتبرين أن كل ما قام به الشعب الفلسطيني الثائر على الظلم المدافع عن حقه هو عبث، لأنه لم يحقق شيئاً سوى زيادة تعداد الضحايا، ولذلك نسأل ونحاول الإجابة، ماذا خسر الكيان الصهيوني خلال التطورات الأخيرة؟.

الهدف الأساسي من الاستفزاز الإسرائيلي في القدس خلال العشر الأواخر من رمضان كان رغبة نتنياهو في تعزيز شعبيته لدى اليمين المتطرف الإسرائيلي من خلال تهيئة الظروف لاحتفالات المتشددين الصهاينة بعيد الوحدة داخل الأقصى، يذكر ذلك بسلوك أرييل شارون الذي اقتحم الأقصى بهدف تعزيز مواقفه السياسية، وكانت الاستجابة الفلسطينية هي انتفاضة الأقصى التي هزت أركان الكيان.

الفشل الكامل الذي مني به نتنياهو وحكومته في تحقيق ذلك أدى إلى أمرين، الأول هو سخط متجدد لدى خصوم نتنياهو في اليمين وإضعاف الموقف العام السياسي في تل أبيب، حيث فشل كل القادة السياسيين الممثلين في الائتلاف الحكومي في تحقيق إنجاز يعزز فرص تشكيل الحكومة في ظل الاختناق السياسي هناك، وستؤدي التطورات الحالية إلى تعزيز التشظي الإسرائيلي السياسي.

الخسارة الثانية بالنسبة للطرف الإسرائيلي تمثلت في انهيار أسطورة صلابة الداخل، لأول مرة منذ ١٩٦٦ تخرج مدينة اللد عن السيطرة تماماً وتضطر قوات الاحتلال للخروج منها في هزيمة نفسية كبيرة للصهاينة، وتشتعل المدن المختلفة سريعاً في مفاجأة لصانع القرار، انتشرت المقاطع على المنصات المختلفة لإسرائيليين مذعورين يقولون إنهم باتوا يشعرون وكأن البلاد ليست لهم، "كأننا في غزة" هكذا صرخ أحدهم، في الوقت نفسه كان سيل الصواريخ الذي لم يتوقف منذ بدأ مؤكداً على أن السيطرة لم تعد لهم، لأول مرة يشعر الصهاينة منذ عقود أن مستقبل وجودهم ليس مضموناً.

الخسارة الثالثة تتمثل في تغير موازين القوى ميدانياً، صحيح أن الصهاينة ما زالوا يتمتعون بتفوق كبير في العتاد والتكنولوجيا وفي مختلف المعايير العسكرية، إلا أن الميدان أثبت أن الطرف الآخر رفع كفته بشكل ملحوظ، حيث باتت كل المدن المحتلة تقريباً في مرمى صواريخ المقاومة، السلاح الفلسطيني الدفاعي بات اليوم هجومياً ومؤثراً، أكثر من ٣٠٠٠ صاروخ انطلقت نحو مدنهم بدقة أعلى من ذي قبل ومحققة خسائر غير مسبوقة، لم يعد خيار الإبادة التأديبية الذي انتهجه الصهاينة مطروحاً، فكل هجوم تليه رشقات صاروخية بالاتجاه المعاكس.

وأخيراً تتمثل الخسارة الأهم فيما تجلى من تعاطف دولي غير مسبوق مع القضية، فعلى الرغم من الآلة التعبوية الصهيونية الضخمة حدثت تغيرات محورية في المواقف الشعبية عربياً ودولياً، ففي عالمنا العربي وخاصة في الخليج عادت القضية مركزية لدى جيل جديد لم يعش أجواء الانتفاضة الأولى أو الثانية ولا حرب غزة المدمرة، هذا الجيل فوجئنا به جميعاً، حيث أثبت سريعاً قوة تفاعله ونبالة مواقفه على الرغم من كل التوقعات بأنه ومن خلال التدجين الإعلامي والترف الاستهلاكي لن يكون متأثراً بخطاب المقاومة ولا منهجها، وفوق ذلك تغير المزاج الغربي فصار التعاطف مع الكيان تهمة في أوساط الفنانين والرياضيين، العشرات من المؤثرين الغربيين جاهروا بدعمهم لفلسطين وأهلها بل وشنعوا على من سكت أو اتخذ موقفاً حيادياً.

لطالما كان الأقصى هو نبراس الأمل في هذه الأمة، وكلما خبتت نار الجموع وثبطت الهمم بعث الله لنا حدثاً وأحداثاً تذكرنا بواجبنا وتنعش فينا أرواحاً ساكنة، نسأل الله أن تكون هذه يقظة جديدة تعيدنا لديننا وحقوقنا المسلوبة وتكون بداية النهاية لهذا الاحتلال الغاشم.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أفغانستان بداية جديدة أم استمرار للصراع؟

“أوكيس” طعنة ثلاثية في الظهر الفرنسي

قمة أخرى...وشائعات جديدة