المشاركات

عرض المشاركات من 2015

الهوية المعمارية

لكل مجتمع هوية، ولكل هوية مظاهر، وهذه المظاهر تتنوع وتتجدد وتتغير بتغير الزمان والثقافة العامة والمعرفة، من أهم تجليات الهوية المعمار، لماذا؟ لأن المعمار واضح متسيد للمشهد من حوله ويظل شاهداً على هوية المجتمع ومختزلاً لها لعشرات أو مئات وفي بعض الأحيان آلاف السنين، اليوم إذا تكلمت عن الفراعنة فأول ما يبادر ذهنك هو صورة الأهرامات، وإذا تحدثت عن الرومان فصورة الأعمدة الرومانية و"الكولسيوم" وإذا كان الحديث عن المسلمين فصورة الكعبة المشرفة، كل هذه المباني هي شواهد على هويات حضارية بعضها قائم وبعضها اندثر وبقت هذه الشواهد لتحكي لنا قصص التاريخ وتعرفنا على هذه المجتمعات التي طوتها صفحاته. في كل زمان تكون هناك هويات ضعيفة وأخرى قوية، بناء على الوضع السياسي والاقتصادي لهذا الزمان، فعندما سادت الحضارة الإسلامية أطراف الأرض كان المعمار الإسلامي يؤثر على المباني في أوروبا وآسيا وأفريقيا، وقبل ذلك حينما غزا الرومان أطراف الأرض وجدنا الرموز والعناصر المعمارية الرومانية في العالم كله، واليوم يحصل الشيء نفسه مع الحضارة الغربية، فأينما ذهبت تجد تلك المباني الزجاحية المصمتة والتصاميم ال

جاذبية تنظيم الدولة

(1) لماذا ينضم الشباب لتنظيم الدولة؟ هذا السؤال الذي يحير الكثيرين من الساسة والباحثين حول العالم. هذا التنظيم الذي يكاد يُجمع الجميع على كرهه ما زال يجذب إليه مقاتلين من مختلف دول العالم ومن مختلف المستويات التعليمية والاقتصادية والثقافية، فليس الانضمام إليه حكراً على المقهورين في الأرض كما يدعي البعض، فالمجندون يقدمون من دول يتمتع مواطنوها بدرجة عالية من العدالة الاجتماعية، وليس حكراً على الجهلاء، فالتنظيم نجح في استقطاب المتعلمين من الأطباء وغيرهم ضمن صفوفه، وليس حكراً على الفقراء، فبعض مقاتليه ينتمون لعائلات غنية ويتمتعون برفاهية الحياة. إذاً هل هو الخطاب الديني؟ حتى ذلك ليس سبباً مقنعاً، فالمنتمون لداعش ليسوا جميعاً متأثرين بمدرسة دينية فكرية واحدة، بل تتنوع مشاربهم الدينية بتنوعهم الثقافي، إذاً من أين تأتي جاذبية هذا التنظيم؟ المسألة أشد تعقيداً مما يدعي بعض المنظرين والسياسيين، ولكن مجموع الأسباب المنفردة يشكل صورة فسيفسائية لعوامل جاذبية تنظيم الدولة. لا شك أن ممارسات الحكومات القمعية في الدول الإسلامية قبل وبعد الربيع العربي كان لها دور بارز في التسويق لأهداف التنظ

على طاولة التنازلات

اجتمع وزير الخارجية الأميركي مع نظرائه الخليجيين في الدوحة مساء أمس، في ظل تواجد وزير الخارجية الروسي في الدوحة كذلك، كل هؤلاء المسؤولين تواجدوا معاً في محاولة لضبط إيقاع التنازلات بين مختلف الأطراف، في صراع له أول وليس له آخر بين كل اللاعبين في الساحة العربية وما حولها، من سوريا إلى اليمن إلى العراق إلى الاتفاق النووي إلى التنافس الروسي الأميركي، هناك الكثير من المساومات التي تجري بهدف نزع فتيل حرب شاملة محتملة في ظل حالة التوتر التي تتصاعد يومياً في المنطقة. على الصعيد اليمني، يريد الخليجيون انسحاباً حوثياً وعودة للشرعية المدعومة خليجياً، ويحاول الأميركيون تأمين ذلك حتى يضمنوا قبولاً خليجياً بالاتفاق النووي، والأميركيون بدورهم يضغطون بالملف اليمني على الإيرانيين ليحققوا تنازلاً أكبر في المفاوضات حول الاتفاق، ولكن الإيرانيين يستخدمون هذا الملف برفقة الملف السوري لضمان أن يحمي الأميركيون أياديهم المتوغلة في المنطقة. في نفس الوقت تحقق المعارضة السورية تقدماً ملحوظاً على الأرض، في الوقت الذي يقوم فيه الأميركيون بدعم المعارضين الذين دربوهم بهدف مقاومة داعش التي يستخدمها الإيرانيون لحما

لا تعمم

الطبيعة الإنسانية تحب التعميم، فإذا مررت بتجربة سيئة مع بلد ما أو جنسية ما أو وظيفة ما تعمم تلك التجربة على كل ما يتصل بها، فكل البلد التي زرت سيئ، وكل البشر من الجنسية الفلانية سيئون، وهكذا، التعميم يعيننا على التعامل براحة مع آرائنا، فعوضا أن نعرض تجاربنا على مقياس منهجي واضح يكفينا أن نضع لافتة على كامل المشهد تريحنا من عناء التجربة وإعادة التجربة، فور أن يأتيك أحدهم يسأل رأيك عن البلد التي زرتها الصيف الماضي تقول: «لا تفكر، البلد سيئة، الجو حار، الناس متعبون»، ولا شك أن أي بلد فيه الحسن والسيئ، جوّه يتقلب إلا ما ندر، أهله بشر يختلف كل منهم عن الآخر، وطبعا تعميمك بذلك الشكل يحقق لك بشكل أو بآخر انتقاما من تجربتك السيئة، ولكن هل التعميم كممارسة أمر خاطئ؟ في مجال قياس الرأي العام من أول الأمور التي تتعلمها التعميم، أو بصورة أدق: متى وكيف يمكنك أن تعمم؟ متى بإمكاننا أن نقول مثلا إن معظم أبناء البلد الفلاني ينطبق عليهم هذا الأمر أو ذاك. ببساطة يمكنك فعل ذلك حينما يتوفر دليل علمي إحصائي على أن النسبة الغالبة من مواطني دولة معينة أو أفراد مجتمع محدد يتبنون رأيا معينا أو يمارسون ممارسة م

البيت العود

«البيت العود» هو اللفظ الذي نطلقه في الأصل على بيت رأس الأسرة الممتدة، الجد، الجدة، العم الأكبر، كل عائلة تعتبر البيت العود هو ذلك الذي يجتمع فيه كافة أفراد العائلة في المناسبات وأيام الجمع، ذلك التجمع الذي يجمع الكبير بالصغير ملتفين جميعاً حول تلك الشخصية المحورية، كبير أو كبيرة العائلة، لا دلالة في الاسم لحجم البيت، قد يكون البيت العود هو الأصغر والأقدم والأقل بريقاً بين بيوت العائلة ولكنه يبقى الأجمل بالذكريات التي تترامى في جنباته والمودة التي تلف غرفه وزواياه، البيت العود إذاً هو العش الذي تعود إليه الطيور المهاجرة لتنهل شيئاً من ذلك الود العائلي وتستذكر بعضاً من ماضيها الذي طوته الحياة المدنية ومشاغل الدنيا التي لا تنتهي. اليوم ومع ازدياد دخل الأفراد في منطقتنا ازداد الاهتمام بحجم البيت وأثاثه ومظهره من الداخل والخارج، الكثير منا يبني المجالس التي تتسع للخمسين والستين، حتى وإن لم يكن لدينا من الزوار ما يملؤها، ونشتري الأثاث لمجالسنا ببذخ كان سيثقل كاهل لويسات فرنسا، حتى وإن بقيت مجالسنا مغلقة أمام الزوار، نبني بيوتنا وكأننا نتوقع طابوراً يومياً من الزوار صباح مساء، والواقع هو

أرابيك

قرأت قبل أيام مقالاً لأحد المدونين المشهورين، وأنا حقيقة مقل في قراءة المدونات لأني لا أجد فيها الكتابة الممنهجة التي أرتاح لها، المدونون، ليس كلهم بطبيعة الحال، يتحررون من قيود المساحة وأدبيات الكتابة، بعضهم يكتب بألفاظ عامية وبعضهم يكتب وارد خاطر غير منظم مما يصيبني بحالة من الضوضاء الثقافية لا أستفيد معها مما أقرأ، لكن ما لفت نظري هو مشكلة أخرى في المقال الذي قرأت أجدها متكررة في الجيل الجديد من الكتاب وخاصة الخليجيين منهم، ربما لم يصل معظمهم إلى الصحافة ولكنهم ينتشرون في عالم التدوين وفضاء التواصل الاجتماعي، هذه المشكلة هي الكتابة العربية التي تبدو لقارئها على أنها نص مترجم، يكون الكاتب عادة تلقى تعليمه باللغة الإنجليزية ولديه انبهار واضح بالثقافة الغربية، هذا الانبهار بغض النظر عن تقييمك له يجعله يستخدم ذات الألفاظ وتراكيب الجمل التي يستخدمها الكتاب الغربيون، ويظهر لك النص في النهاية وكأنه مترجم عبر أحد مواقع الترجمة الفورية. لا شك أن الكاتب يستفيد من أنماط الكتابة التي تمر عليه بأي لغة يتقنها، وفي كثير من الأحيان يكون أسلوبك في الكتابة هو انعكاس للكتاب الذين تقرأ لهم ولكن، لكل

مستقبل رمضان

في كل عام تزداد تلك الإعلانات المزعجة التي تحاول الربط ذهنياً بين منتجات استهلاكية كمالية وشهر رمضان، يبدؤك الإعلان بمجموعة مشاهد رمضانية حول اجتماع العائلة والصلاة ثم يقحم منتجه في وسطها ليبدو وكأن هذا المنتج حالة طبيعية في السياق التعبدي العائلي لشهر رمضان المبارك، كل ذلك طبعاً أداة تسويقية ليس لها من هدف سوى زيادة أرباح شركات عالمية تستغل كل الثقافات المناسبات لبيع منتجاتها، ولكن ليست المشكلة في أن هناك من يحاول أن يبيعنا منتجه، المشكلة هي أن نغوص نحن في استهلاكية مادية بحتة متجاهلين أن المقصد من شهرنا هذا هو العكس تماماً، رمضان هو شهر التضامن مع المحتاجين، هو شهر الصدقة والعطاء، ولكننا وفي إطار توسع الحياة المدنية وتماشياً مع العولمة تدريجياً نحوله إلى موسم آخر للترف والإسراف ومناسبة أخرى للانسياق خلف حملات التسويق التي تغرقنا عبر التلفاز والإنترنت وهواتفنا الذكية. تلك الاستهلاكية لها مظاهر عديدة، الزينة الخاصة بالبيوت، الهدايا الرمضانية التي تحولت إلى عرف لا يمكن تجاهله، احتفالات «القرنقعوه» التي تحولت من مناسبة اجتماعية بسيطة يجتمع فيها أطفال الحي ويمرون على البيوت في مشهد عفوي

"داعش" باختصار

ملأ تنظيم الدولة الإسلامية العالم توتراً بأعماله العنيفة، التي وإن كانت لا تزيد في عدد ضحاياها عن قصف أميركي واحد في اليمن أو العراق أو عن جريمة واحدة من جرائم الأسد أو أذناب إيران في سورية، إلا أن تسويقه لجرائمه بهذا الأسلوب السينمائي، وتوافق دول الغرب والشرق على توظيفه لتصفية حساباتهم وخدمة أجنداتهم جعل من هذا التنظيم نجماً عالمياً في سماء الإرهاب، تنكمش معه جرائم لم تعرف البشرية مثلها ترتكبها دول ومنظمات تابعة لها. هذه النجومية أسهم في تحققها اختيار هذا التنظيم أهدافاً لم تكن ضمن خارطة الإرهاب التي نعرفها، مساجد شيعية في الخليج، ثوار إسلاميون في سورية، ومنتجعات سياحية في تونس، وتختفي جرائم هذا التنظيم عن أعداء الأمة المعروفين شكلاً ومضمونًا، سواء الكيان الصهيوني أو إيران ووكلائها أو حتى القوات الأميركية في المنطقة، هذه التصرفات الغريبة غذت نظرية المؤامرة حول هذا التنظيم، فكل طرف يدعي أن الأطراف الأخرى تموله وتدعمه لصالح أجنداتها، ولكن ما حقيقة وضع هذا التنظيم وتفاعلاته؟ من يدعي معرفة يقينية حول «داعش» هو واهم، وأشك حتى إن كان لدى قيادة هذا التنظيم فكرة واضحة حول نشأته وعلاقاته، ولك

تذمرات رمضانية

كلما عاد علينا شهر رمضان المبارك تعود الذكريات والممارسات الرمضانية التي تعطي هذا الشهر جماله، ولهذا الشهر اهتماماته وقضاياه التي يتكرر النقاش حولها كل عام، رؤية الهلال، القضايا الفقهية المرتبطة بالشهر، الإسراف على الموائد الرمضانية وهكذا، ويعاد النقاش حولها ويتكرر كل عام مع بعض الإضافات التي يفرضها تغير الزمان هنا وهناك، وذلك في الحقيقة ليس أمراً يدعو للتململ فالقضايا الموسمية هذه أمر طبيعي بدهي، والنقاش حولها أصبح جزءًا من طقوسنا الرمضانية، البعض يقضون هذه الأيام الأولى في رمضان في التذمر من هذه المواضيع والشكوى من تكرارها، حتى أصبح تذمرهم جزءًا من هذا الطقس السنوي. يأتيك بعض «المفكرين» و»المستنيرين» لينتقد مسألة رؤية الهلال باعتبار أنه أمر متخلف ورجعي وأن العلم تجاوزها، ولكن في حقيقة الأمر المسألة خلاف شرعي معتبر بين من يرى بالحساب الفلكي ومن لا يرى به، كما أن الفلكيين أنفسهم يختلفون في طبيعة هذا الحساب، ونتيجته بناء على تفسيراتهم لما يجب به دخول الشهر من الناحية الفلكية، ولذلك فإنه حتى لو أجمعت الأمة على الحساب الفلكي ستبقى حالة الترقب والاختلاف في تحديد مواعيد دخول الشهر، ولن تنت

جدلية حرية التعبير

مصطلح حرية التعبير يبدو كالمطية يعتليها كل من له حاجة ثم يربطها ليتحجج بها، الكل يكلمك عن حرية التعبير وأهمية أن يكون صوتك مسموعاً وضرورة أن يفتح المجال للناس حتى يقولوا ما يريدون، ولكن سرعان ما تختفي هذه الشعارات الرنانة عندما يكون التعبير الذي انطلق حراً مخالفاً لقناعاتنا، حينها تتحول المطالبة بحرية التعبير إلى المطالبة بإلجام التعبير، طبعاً يتم ذلك مباشرة أحياناً وبشكل غير مباشر أحياناً أخرى، النخبوي مثلاً يتكلم عن الغوغائية وخطورتها وكيف أن المجتمع ما زال متخلفاً رجعياً مسفهاً أي فكرة لا يقتنع بها يتحرك بها الشارع على أنها نتاج عقول متحجرة وأقلية ساخطة ومراهقة فكرية، وبالتالي يجب ألا يسمع لهؤلاء ولا أن يترك لهم المجال ليعبروا عن رأيهم بحرية لأنه يتعارض مع قيم النخبة السامية، التقليدي سيقول لك إن حرية التعبير يجب أن تكون في حدود التقاليد والأعراف التي يحددها هو معتبراً أي تغيير أو تشكيك بها مرفوضاً ولا يدخل في حرية التعبير لأنه يلمس ثوابت المجتمع وهكذا. بطبيعة الحال المفهوم بحد ذاته مشكل ومطاط، فالحرية المطلقة في التعبير غير معقولة ففي أكثر الدول حرية بإمكانك مقاضاة من يتهمك زوراً

حتى نفهم الانتخابات

لانتخابات التركية الأخيرة كان صداها مسموعاً في العالم العربي بقدر ما كان مسموعاً في المدن التركية، هذا الاهتمام طبيعي في ظل الدور المحوري لتركيا في أحداث المنطقة، ولكن حتى نتمكن من قراءة نتائج ومجريات هذه الانتخابات وغيرها بطريقة سليمة هناك أبجديات في العملية الديمقراطية لا بد من فهمها، ونظراً لضعف التجربة الديمقراطية في العالم العربي كان مفهوماً أن يكون التعاطي مع نتائج الانتخابات مليئاً بالمغالطات من قبل حتى بعض المختصين، وربما تكون الخطوة الأولى في فهم ما جرى هي الوقوف عند بعض المصطلحات التي كانت محورية في النقاش حول الانتخابات التركية والتعرف على دلالاتها. بداية كان الحديث يدور قبل الانتخابات وبعدها حول محاولة الحزب الحاكم تعديل الدستور لتحويل الجمهورية من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي، النظام البرلماني هو الذي يجمع السلطات التنفيذية والتشريعية في البرلمان، فتشكل الحكومة من قبل الحزب الحاصل على أغلبية برلمانية أو من خلال تحالف بين أحزاب يشكل مجموع مقاعدها البرلمانية أغلبية، النظام الرئاسي يفصل السلطتين التنفيذية والتشريعية عن بعضهما فينتخب رأس الدولة بشكل مباشر وتكون لديه صل

الطبيب والمشعوذ

ما هو الفرق بين الطبيب والمشعوذ؟ دعنا نقارن، الطبيب يعتمد على رصيده العلمي، المشعوذ يعتمد على إيهامك بأن الحل لكل معضلة لديه، الطبيب يبدأ بأخذ كل ما يتوفر من بيانات حول علتك، الأعراض، تاريخك الطبي، نظامك الغذائي، المشعوذ يكفيه نظرة إليك وتقييم لحالتك عبر مجموعة من النقولات الكاذبة والخزعبلات، الطبيب يشخص حالتك عبر استخدام المنهج العلمي والأدوات التي طورها العلماء، المشعوذ يستخدم الأدوات البراقة التي تبهر الناظر والكلمات المخيفة التي ترعب من يسمعها، ينتهي الطبيب بوصف علاج يتناسب مع حالتك ويطلب منك مراجعته ليقيم أثر العلاج على حالتك لعله يغير وصفته، المشعوذ يصف لك بعض الأشياء الغريبة ويؤكد لك أن العلاج فيها وإن لم ينفع العلاج فالمشكلة فيك وبالتالي ربما احتجت علاجاً آخر، ثم يقبض ثمن هرطقاته وينصرف، ربما يفشل الطبيب في علاجك، وربما ينجح المشعوذ، ولكن فرصة الأول في النجاح لا شك هي الأعلى، ونجاح هذا الأخير ليس إلا نتيجة الصدفة أو نتيجة بعض الحق في بطن الباطل. الفرق بين الطبيب والمشعوذ هو تماماً كالفرق بين المحلل السياسي المنهجي وصاحب نظرية المؤامرة، الأول ينطلق من منهجية علمية مستندة على رص

مستقبل مصر العسكر

يبدو النظام العسكري بقيادة عبدالفتاح السيسي في مصر في عزلة متزايدة مع تغير المزاج السياسي في المنطقة، الدعم الخليجي الذي طالما اعتمد عليه يتضاءل، الثورة السورية التي يعاديها تتقدم على حساب أصدقائه في النظام، الخلافات العربية العربية التي استفاد منها في تمويل انقلابه تتلاشى، الوضع في ليبيا يسير لغير صالح حلفائه، محلياً تتزايد عزلة النظام مع هروب أنصار الأمس من سفينة الانقلاب، إعلاميون كانوا أبواقاً للنظام ينتقدونه اليوم علناً، سياسيون أسهموا في تشكيل دولة الانقلاب يتبرؤون منه، وقيادات سابقة تحوم حول كرسي الرئاسة. في مواجهة هذا كله لجأ النظام المصري إلى مجموعة من الإجراءات للتفاعل مع الوضع محلياً وخارجياً، على المستوى الخارجي بدأ النظام يبحث عن حلفاء جدد، فهو يغازل إيران وروسيا من خلال تعهده بدعم العراق والمشاركة المتحفظة في التحالف العربي في اليمن، حتى إن وزير خارجية النظام أشار إلى أن مصر اليوم أقرب إلى إيران من غيرها، والإشارات السلبية لدول الخليج في «الإعلام» المصري وانتقاد سياسة الملك سلمان في المنطقة ما هي إلا محاولات لكسب الود الإيراني ومن ورائه الروسي. على المستوى الداخلي اختار

الفيلسوف الجاهل

هل جلست يوماً مع شخص يتكلم في كل مجال ويزاحم في أي تخصص، أي موضوع يطرح سيكون فيه خبيراً، أي مشكلة تظهر سينبري لحلها، لا شك أننا جميعاً نجد في حياتنا مثل هذا الشخص، بل ربما في داخل كل منا يختبئ هذا الشخص، يرفض أن يتقبل جهله أو أن يعرف حجمه، يكفيه كلمتان تقال له أو يقرأهما في جريدة لتجعله خبيراً ينطلق مبشراً بأفكار جديدة وحلول عظيمة لكل معضلة أتعبت البشرية، وأعود لأقول كل واحد منا يجد في نفسه شيئاً من هذا، من منا يحب الاعتراف بجهله وقصوره، من منا لا يحب أن يسمع الآخرون له في كل موضوع ويتبع الناس طريقه في كل مجال؟ لكن هناك من يحول هذه الشهوة الخفية إلى ممارسة معلنة، وهنا المشكلة. هذا الشخص لا يهمه أن يكون متخصصاً، وإن كان يحدثك ليل نهار عن أهمية التخصص، ولا يهمه أن يكون ملماً بالموضوع الذي يتحدث فيه، ولو أمضى ساعات وهو يكلمك عن أهمية جمع المعلومات قبل الحكم على الشيء، لماذا؟ لأنه تجاوز مرحلة تقييم ذاته، فهو يعتقد أنه الأفضل، ولا مجال لمناقشة ذلك، ويعتقد أن عقله قادر على ما عجز عنه الآخرون، وكيف لا وهو من هو، ولكن كيف تنشأ وتتطور هذه الحالة؟ ربما يبدأ الأمر بنبوغ على مستوى الأقران، و

بريطانيا بعد الانتخابات

دخل ديفيد كاميرون صباح يوم الجمعة الماضي إلى قصر بكنغهام في العاصمة البريطانية منتصراً ليتم تكليفه بتشكيل الحكومة، بعد فوز حزبه غير المتوقع بأغلبية في البرلمان البريطاني تؤهله لتشكيل الحكومة منفرداً، وكان كاميرون قد أعلن أن هذه آخر انتخابات سيخوضها حيث سيستقيل من رئاسة الحزب قبل الانتخابات القادمة، ولأن النظام البريطاني برلماني فسيقوم الحزب حينها بتعيين رئيس وزراء آخر ليقود البلاد، فوز حزب المحافظين الذي يترأسه كاميرون جاء مفاجئاً للجميع بما فيهم كاميرون نفسه؛ حيث توقعت جميع الاستطلاعات برلماناً معلقاً، ويقصد بذلك عدم حصول أي من الأحزاب على أغلبية تعطيه الحق لتشكيل الحكومة منفرداً، ولكن استطلاعاً للرأي بعد خروج الناخبين من مقار الاقتراع أشار إلى أن المحافظين سيفوزون بالأغلبية، ولم يصدق الكثير من المحللين هذه النتائج في البداية حتى أن اللورد آشداون من الديمقراطيين الأحرار والذين تبخروا نتيجة هذه الانتخابات بعد أن كانوا الحزب الثالث، أعلن على شاشة الـ «بي بي سي» أنه مستعد لأن يأكل قبعته إذا كانت نتائج الاستطلاع صحيحة، في الحقيقة جاءت النتيجة لتعطي المحافظين نجاحاً أكبر حتى من ذلك الذي تو

الخليج في ضيافة أوباما

يعقد قادة دول مجلس التعاون قمة تشاورية خلال الأسبوع المقبل تحضيراً للقاء في الثالث عشر من مايو في واشنطن مع الرئيس الأميركي، هذا اللقاء الذي سيبدأ في البيت الأبيض وينتقل بعدها لمنتجع كامب ديفيد هو الأول من نوعه في تاريخ العلاقات الأميركية الخليجية، فقد اكتفت الولايات المتحدة سابقاً بعقد لقاءات ثنائية مع قادة الخليج، ولكن في هذه المرة وفي ظل الظروف الراهنة فضل الرئيس الأميركي دعوة الجميع في وقت واحد. الدعوة جاءت مباشرة بعد إعلان التفاهم الإيراني الغربي حول الاتفاق النووي وحدد موعدها بحيث يسبق الموعد المرتقب لتوقيع الاتفاق النهائي، وكانت الإدارة الأميركية متفائلة فأعلنت أن القمة ستكون ممتدة على مدار أيام، ولكن الظروف تغيرت بشكل كبير منذ ذلك الحين، المزاج السياسي في الخليج شهد نقلة نوعية مع عاصفة الحزم والتي كانت أول مواجهة عسكرية بين الخليج وإيران بعد سنوات من التمدد الإيراني في النطاق الاستراتيجي الخليجي، يضاف إلى ذلك التفاهمات السعودية الجديدة مع فصائل إسلامية في سوريا واليمن، كل ذلك وسع جدول الأعمال بلا شك، فإدارة أوباما التي أطلقت هذه الدعوة بهدف تطمين قادة الخليج حول الاتفاق مع إيرا

البقرة العرجاء

في مكانٍ ما في هذه الدنيا استيقظ المزارع مبكراً كعادته ودخل إلى حظيرة البقر ليطمئن على مصدر رزقه، كل بقرة بخير إلا واحدة يبدو عليها أنها تعرج، عاد المزارع إلى كوخه مهموماً، سأله ولده عن الأمر فأخبره عن البقرة العرجاء، قال له الولد «لا عليك يا أبتاه الحل عندي» رد الوالد «يا بني، هذه الأبقار مصدر رزقنا ولن أتركك تعبث بها» اتصل المزارع بصديق له يستشيره فأخبره عن أشهر مزارع الأبقار في العالم وأنه بإمكانه استقدام خبير من أحدها ليساعده، أرسل المزارع في طلب الخبير، أسرع الخبير في الحضور حاملاً حقيبته الدبلوماسية بيد وفاتورة أتعابه باليد الأخرى، دخل الحظيرة ليعاين البقرة وبعد ساعات طوال خرج على المزارع وقال «في مزرعتنا العظيمة نرش المبيد الحشري في الحظيرة يومياً وأبقارنا لا تعرج فلماذا لا تجرب ذلك؟» أسرع المزارع واشترى مبيداً حشرياً ورشه تحت إشراف الخبير في الحظيرة. في الصباح التالي ذهب المزارع ليتفقد الحظيرة فوجد أن اثنتين من أبقاره ماتتا اختناقاً خلال الليل، والبقرة العرجاء على حالها، استدعى الخبير فجاء بحقيبته وفاتورته ودخل إلى الحظيرة، بعد ساعات خرج وقال للمزارع «أبقارك لم تكن متعودة على ا