المشاركات

عرض المشاركات من 2020

ما وراء القناعات: محاولة للتعريف والتصنيف

هناك صنف من الأفكار حين نتبناها نطلق عليها من باب التأكيد "قناعات"، لا يعني هذا أنها تمثل حصرياً ما نقتنع ولكنه دلالة على درجة رسوخ الفكرة ورفض المساومة عليها، وبالمقابل يعطي المصطلح صورة التحول الحقيقي عند تغيير هذه القناعات، فلا يكون ذلك في إطار اقتناع بأفكار جديدة بل اقتلاع لقناعات راسخة، وعدا عن أن هذا المصطلح كغيره هو تكييف بشري وتغليف مصطنع لأمر غير قابل للقياس إلا أنه يمكننا في معرض التجريد والتصنيف، اللذين يحبهما أهل الفكر والتنظير، تناول المصطلح من حيث منشأ القناعة لدى صاحبها، وهذا التصنيف الذي نقدمه ليس بلا شك تصنيفاً منهجياً علمياً فالسياق هنا مقال صحفي وليس دراسة علمية، ولكنه محاولة لتقديم تصور نظري محدود للقناعة وأشكالها. لعل أول أنواع القناعات التي ينبغي الوقوف عندها هي القناعات العقدية، ولا أعني هنا بالعقيدة تلك المرتبطة بالدين فحسب، بل كل عقيدة فكرية أو سياسية أو غير ذلك تمثل منظومة من الأفكار المترابطة يؤمن بها قطاع من البشر ويتعارفون بها، فالليبرالية والماركسية كمنظومات تحمل في دواخلها ذات العناصر الاعتقادية الموجودة في أي دين، وبالتالي تتحول الأفكار المرتبط

اللقاح بين المعلومات والمجهولات

كلما أطلت بوجهها قضية تشغل الرأي العام انبرى صناع نظريات المؤامرة وأصحاب التفسيرات غير المبنية على الحقائق ليحيكوا حولها الروايات والحكايات، هؤلاء في الغالب يتجنبون عالم المعلومات والحقائق، ولا يعترفون بأن ما هو مجهول هو مجهول فعلاً، فهم يسبحون عكس التيار في بحر يقع بين المعلوم والمجهول، في مساحة تسمح لهم باقتباس بعض من الحقائق المبعثرة وترقيعها ببعض المجهولات التي يمكن تفسيرها وإعادة تفسيرها حسب الهوى وشيء من التفكيك والربط المعتل وثم نثر الناتج في ساحات الجدل ليقنعوا من سهل إقناعه ويثيروا سخط الباحثين عن الحقيقة والملتزمين بحدودها. في إطار جائحة كوفيد - 19 ونظراً لتأثيرها المباشر علينا جميعاً وغياب الحقائق العلمية المباشرة بسبب حداثة المرض راج سوق التفسيرات المؤامراتية والمعلومات المغلوطة حتى أنك لا تكاد تجري بحثاً حول أي من تفاصيل الجائحة وتطوراتها إلا وواجهتك العجائب، فتارة حديث عن أن واشنطن صنعت هذا الفيروس ليقضي على الصينيين، وتارة أخرى أن الصين بثته في العالم حتى يسهل عليها السيطرة عليه، وثم تأتيك قصص حول أطباء يؤكدون حقائق لا أصل لها ومقاطع مسموعة ومرئية لخبراء في الفيروسات يحد

دروس المحن في يوم الوطن

خلال الأعوام الأخيرة مرت بلادنا بتحديات كبرى، بدءاً من الحصار الذي شكل نقطة تحول في تاريخ قطر، ومروراً بأزمة انخفاض أسعار النفط، وأخيراً جائحة كورونا التي أصابت العالم بأسره بالشلل، وأمام كل هذه التحديات صمدت قطر، وبتوفيق من الله وحده، وثم جهود المخلصين خرجت بلادنا بمكتسبات كبرى من هذه المحن، لتقف اليوم أقوى أمام تحديات المستقبل وأقدر على اقتناص فرصه، ولذلك أحسن من اختار حمد الله شعاراً ليوم الوطن. لعل هذه الفرصة أنسب من غيرها لاستذكار الدروس التي تعلمناها معاً في السياق الوطني خلال الأعوام الأخيرة، ولكل تحد مرت به الدولة والمجتمع درس تعلمناه ومكتسب تحقق بات لزاماً علينا العمل على الحفاظ عليه من أثر الدعة بعد الشدة. إذا ما نظرنا إلى أزمة الحصار وما اعتراها نجد أن أهم ما تحقق وبرز خلال الأزمة بمشاهدها المختلفة كان تعزيز اللحمة الوطنية بين القيادة والشعب بمختلف مكوناته، جاء هذا التهديد الخارجي الوجودي ليمثل نقطة التقاء ونداءاً وطنياً جامعاً التف خلاله المواطن والمقيم حول الرموز الوطنية ليقولوا بصوت واحد أن الوطن أسمى من أي انتماء أو مصالح أو أعراف، هذه اللحمة ستواجه بلا شك تحديات متجددة

عالم ما بعد كورونا

عام طويل عشنا فيه جميعاً تجربة فريدة، خلال أسابيع قليلة وجدنا أنفسنا في عزلة، أصبحت أبسط الأمور التي تعودناها أحلاماً نتذكرها بود، وأصبح أقرب الناس إلينا أبعد من أن نصل إليهم، وها نحن اليوم نعود تدريجياً للحياة كما تعودناها، مازالت الأقنعة تلازمنا، ومازلنا نتردد عندما نلتقي ببعضنا البعض هل نسلم باليد أم نكتفي بالإشارة، وبفضل من الله وخلال أسابيع قليلة سينتشر اللقاح عبر العالم وشيئاً فشيئاً سنتخلى عن آخر تبعات هذه الجائحة علينا جميعاً، ولكن هناك بعض التغيرات التي طرأت على حياتنا اليومية وتجربتنا البشرية قد تستمر آثارها لما بعد زوال كابوس الجائحة، هي ليست بالضرورة سلبية بل إن بعضها إيجابي إلى حد كبير. لعل أحد أهم الآثار التي ترتبت على هذه الجائحة تحول المؤتمرات والاجتماعات المحلية والعالمية إلى شاشات أجهزتنا، مؤتمرات كانت تكلف آلافا وربما ملايين الدولارات أصبحت الآن تقام بدون أي تكاليف تقريباً، ووفر الآلاف من البشر عشرات الساعات من الطيران والإقامة في الفنادق وبدلات السفر، هذه الثقافة التي زرعها الفيروس لا أعتقد أنها ستزول معه، اليوم ومع تعود العالم على هذا النمط لا شك أننا سنشهد تراجعاً

لماذا اغتيل فخري زاده؟

نشرت وكالة فارس الإيرانية قصة أقرب للخيال حول اغتيال محسن فخري زاده مساعد وزير الدفاع مسؤول الابتكار والتكنولوجيا بوزارة الدفاع والعالم النووي ذو الدور المركزي في البرنامج النووي الإيراني، تقول الوكالة أن الاغتيال تم عن بعد من خلال سيارة تم تجهيزها برشاش مثبت والتحكم بها عن بعد وتم تفجيرها مباشرة بعد إطلاق النار على موكب فخري زاده الذي كان متوجهاً رفقة زوجته وفريق الحماية لقضاء عطلة نهاية الأسبوع في منزله بضواحي طهران، تتناقض هذه القصة مع المعلومات الأولية التي كانت تشير إلى مواجهة بين فريق الحماية وفريق الاغتيال، وأياً كانت الحقيقية فلا شك أن هذه العملية تمثل ضربة نوعية قاسية لطهران، خاصة وأنها تأتي في ذات العام الذي خسر فيه النظام رأس حربته في أنشطته العسكرية الخارجية قاسم سليماني. أهمية هذا الاغتيال تكمن في بعدين رئيسيين، الأول مرتبط بشخص فخري زاده ومجال عمله، فكما هو معلوم في مجال التسليح النووي ليس من السهل إعداد كوادر على مستوى عال من الخبرة والمعرفة حيث أن معظم ما يرتبط بهذا المجال هو من أسرار دول النادي النووي أو على الأقل ليس أمراً يمكن ابتعاث الطلاب لدراسة تفاصيله بسهولة، وال

الانتقال الصعب: التحديات الرئيسية أمام بايدن وفريقه

على الرغم من مواصلة ترامب حلمه الضائع من خلال التشكيك بنتيجة الانتخابات إلا أن فريق الرئيس المنتخب جو بايدن بدأ فعلياً باختيار فريقه الوزاري والشخصيات المحورية في إدارته، ويوم الثلاثاء القادم سيشهد الإعلان الأول عن هذه التعيينات والتي يتوقع أن تتضمن وزير الخزانة على أن يتبعها تعيينات وزارة الخارجية والوزارات السيادية الأخرى حتى اكتمال الحكومة المكونة من 15 وزيراً، كل هذه الإجراءات تتم دون تعاون من الإدارة الحالية على غير المعتاد، عادة ينتقل فريق الرئيس إلى مبنى روزفلت الملاصق للبيت الأبيض ويلتقي النظراء في الفريقين لتنسيق انتقال سلس للسلطة، وفي مشهد ختامي لرئاسة ترامب المضطربة يرفض السماح لفريقه بالتعاون مع الفريق الانتقالي رغم نداءات من شخصيات من الحزبين تطالبه بذلك، هذا الأمر، وفي حال استمر ترامب في رفض التعاون، سيشكل تحدياً كبيراً لبايدن الذي قد يجد نفسه في العشرين من يناير المقبل، وهو تاريخ توليه للرئاسة، يستلم البيت الأبيض وهو معصوب العينين. على مستوى ملف الشؤون الخارجية يتعين على ترامب التعامل مع تركة داخلية وأخرى خارجية، على المستوى الداخلي شكلت أعوام ترامب الأربعة تحديات كبيرة

مقال ترامب الأخير

في نوفمبر من عام 2008 اعتلى المنصة سيناتور أمريكي مخضرم وسط تصفيق حار من جمهور حاشد من مؤيديه، وبدأ حديثه مخاطباً إياهم بوجه جاد قائلاً: "يا أصدقائي وصلنا لنهاية رحلة طويلة، الشعب الأمريكي قال كلمته وقالها بوضوح، قبل لحظات قليلة كان لي شرف الاتصال بالسيناتور أوباما لأهنئه بفوزه بالانتخابات رئيساً للبلاد التي نحبها أنا وهو"، وفور ذكره لأوباما صاحت الجماهير بهتاف سلبي، سكت لبرهة، هز رأسه وأكمل "في منافسة طويلة وصعبة كمثل هذه الحملة مجرد نجاحه يستلزم احترامي لقدراته وعزيمته، لكنه نجح في مبتغاه عبر إلهام الملايين من الأمريكيين، الذين ظنوا مخطئين أن لهم تأثيراً محدوداً في انتخاب رئيسهم، هذا أمر أبدي إعجابي البالغ به وأحييه على تحقيقه"، استمر الرجل في كيل المديح لخصمه والتأكيد على مناقبه وعلى إنجازه الذي يحسب لكل الأمريكيين، وما هي إلا لحظات وانقلبت الهتافات المنتقصة من أوباما إلى تصفيق حار لذكر اسمه، كان هذا الخطاب هو خطاب الاعتراف بالهزيمة من السياسي الجمهوري الراحل جون مكين، والذي فشل لمرتين في الوصول إلى البيت الأبيض ولكنه لم يرحل إلا وقد استلهم منه الأمريكيون صورة اس

الرابع من نوفمبر: أسئلة ما بعد يوم الانتخابات الأخير في الولايات المتحدة

عند قراءتكم لهذا المقال ستكون مراكز الاقتراع في الانتخابات الأمريكية تقوم بآخر الاستعدادات لافتتاح أبوابها أمام الناخبين وسيكون آخر الناخبين المبكرين قد سلم صوته بالفعل عبر البريد أو مواقع التسليم المسبق، وحتى لحظة كتابة المقال تجاوز عدد الأصوات التي تم تسليمها 90 مليون صوت ما يمثل قرابة ثلثي عدد الأصوات المتوقعة في الانتخابات الأمريكية، ومع استمرار ذات الأرقام في استطلاعات الرأي يبدو بايدن الأوفر حظاً بفارق يصل إلى 10 نقاط عن منافسه في الاستطلاعات الوطنية الأمريكية وبسيناريوهات تشير إلى حصوله على عدد كافٍ من الأصوات في المجمع الانتخابي، يبقى لترامب فرصة لا تتعدى 10% بالفوز وهي في النهاية فرصة قد تتحقق ولكن احتمالها في هذه الانتخابات ضعيف للغاية، ونذكر بأن فرصته في الفوز كانت 35% في انتخابات 2016 ويضاف إلى ذلك أن هذا كان قبل تصحيح نماذج تحليل استطلاعات الرأي، ولو كان خطأ الاستطلاعات في تقدير النتيجة مشابهاً لعام 2016 لا يغير ذلك من النتيجة المتوقعة مع الفارق الكبير في النتائج بين المرشحين، ولكن، وكما حصل سابقاً قد يقف المختصون في مجال استطلاعات الرأي حيارى أمام فشل آخر لنماذجهم يستلزم

انتقام الأرقام: تلاشي فرص فوز ترامب إحصائياً

معركة الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأمريكية تدور حول مجموعة من الأرقام، التي تحدد مخرجات العملية الانتخابية، تتوزع هذه الأرقام بين استطلاعات الرأي والمجمع الانتخابي ونتائج الانتخابات في كل ولاية على حدة، وانتهاءً بالصوت الشعبي الذي قد يعكس صورة مختلفة عن النتيجة الفعلية، كما حدث مع ترامب وبوش الابن من قبله، هناك الكثير من الأرقام التي تمثل مؤشرات الفوز والخسارة وطموح كلا الطرفين، نناقش هنا أهم هذه الأرقام في إطار متابعة الموسم الانتخابي لهذا العام. الرقم السحري الأهم في الانتخابات الأمريكية هو 270، وهو عدد الأصوات الكافية في المجمع الانتخابي الأمريكي لفوز المرشح بكرسي الرئاسة، وهو يمثل رقماً واحداً فوق نصف أعضاء المجمع الذي يمثل الولايات الخمسين ومقاطعة كولومبيا، هذه الأصوات ليست انعكاساً مباشراً لعدد السكان في الولاية، ولو كان الأمر كذلك لاختفت بعض الولايات من المجمع الانتخابي بشكل كامل، فهناك ثماني ولايات لديها ثلاثة كراسي فقط في المجمع، بينما لدى كاليفورنيا منفردة 55 مقعداً، عدد أعضاء المجمع الانتخابي للولاية هو عدد أعضاء الشيوخ (وهو 2 لكل ولاية)، بالإضافة إلى عضو عن كل

بين ترمب وبايدن: ماذا ينتظر الخليج بعد الانتخابات الأمريكية؟

مع قرب موعد الانتخابات الأمريكية يحبس العالم أنفاسه بعد أربع سنوات من حكم الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، الذي منذ أن وضع قدمه على دواسة البنزين لم يترك إشارة سياسية حمراء إلا وتجاوزها ويستمر بسرعة جنونية نحو الهاوية مصطحباً معه بلاده والعالم، وأكثر من أي انتخابات سابقة تنتظر مختلف الدول رحيل هذا الكابوس القابع على صدر العالم مع ترقب لأن يقوم بايدن حال وصوله للبيت الأبيض بإعادة المياه إلى مجاريها باتجاه سلوك تقليدي مفهوم للقوة التي ما زالت تمثل القطب الأوحد عالمياً على الرغم من كل ما فعله ترمب، ولكن بالنسبة لدول الخليج العربي ماذا يمكن أن تتوقع من فوز أي من المرشحين؟ وهل هناك تغير حقيقي في السياسة الأمريكية في حال فاز بايدن؟ في حال فوز ترمب في الانتخابات القادمة فإنه بلا شك لن يكون هناك تغيير حاسم في السياسة الخارجية الأمريكية، ولكنه سيعني استمراراً في سياسة الضغوط القصوى على إيران، وبالتالي يبقى شبح الحرب يحوم حول منطقة الخليج، من الناحية الأخرى قد يجد ترمب الفرصة مواتية في فترته الثانية وهو لا ينتظر انتخابات قادمة لأن يبحث في إمكانية تحقيق صفقة جديدة مع الإيرانيين إلا أن ما يصطحبه ترمب

غياب الصباح: المسيرة الحافلة لعميد الدبلوماسية العربية

شيع سمو أمير الكويت الراحل الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح في يوم الأربعاء الماضي في جمع من أقاربه وبهدوء لافت فرضته إجراءات التباعد الاجتماعي، ولكن أنظار الخليجيين شخصت نحو الشاشات وهم يشاهدون آخر رموز النشأة السياسية الخليجية وعميد دبلوماسيتهم يغادرهم تاركاً إرثاً ضخماً من الإنجازات السياسية والدبلوماسية عز نظيره، وقد زخرت شاشات التلفزة ومقالات الصحف باستعراض إنجازات الراحل والحديث حول مناقبه ومواقفه المختلفة، وفي إطار هذا الزخم ربما مر المارون سريعاً على جزء مهم من إرث الراحل بدأ به مسيرته الدبلوماسية وختمها به، فالراحل منذ يوم الكويت الأول في الساحتين الإقليمية والدولية قاد جهود الوساطة الدولية في أصعب الملفات وأكثرها تعقيداً أخذته إلى أقاصي الأرض، وشاء المولى أن يكون آخر جهوده الدبلوماسية هو الوساطة في الأزمة الخليجية. لو عدنا لستينيات القرن الماضي ومع تشكل الكيانات السياسية في المنطقة، نجد الشيخ صباح الأحمد يقود جهود الوساطة بين القاهرة والرياض بعد تفاقم الحرب في اليمن وينجح في جمع أطراف الأزمة لأول مرة على طاولة واحدة، وفي الفترة نفسها يقود جهود الوساطة مع إيران لإنهاء المطالبة

من أرمينيا إلى فرنسا: محور العداء المتصاعد لتركيا

بين البحرين الأسود والمتوسط يشتعل فتيل أزمات عدة أبطالها شبكة معقدة من الحلفاء والخصوم، هذه الأزمات يجمعها على ما يبدو عنصر واحد فقط وهو محاربة النفوذ المتنامي لأنقرة في نطاقها الإستراتيجي، فمن ليبيا والصراع بين الحكومة الشرعية وحفتر وداعميه وأزمة شرق المتوسط والخلاف التركي اليوناني والاتفاقيات البحرية المتضاربة، مروراً بالخلافات حول التعاطي مع القضية الفلسطينية والأزمات المركبة في سوريا وانتهاءً باندلاع الحرب بين أرمينيا وأذربيجان، نجد تركيا طرفاً فاعلاً إما بشكل أصيل أو من خلال دعم أحد الأطراف، ولا يمكن قراءة إحدى هذه الأزمات بمعزل عن البقية، فالتشابك المعقد بين المصالح المتضاربة يجعل لكل منها تأثيراً مباشراً على الآخر، نحاول في هذا المقال تفكيك هذا التشابك لفهم الانعكاسات والتداعيات بشكل أوضح. في ليبيا حيث يبدو الاصطفاف واضحاً، تقف تركيا وقطر بوضوح خلف الحكومة الشرعية في طرابلس، بينما تدعم الإمارات وفرنسا حفتر، ولكن الأدوار المصرية والروسية الداعمة لحفتر تزيد المشهد تعقيداً، حيث أعلن الرئيس المصري أكثر من مرة أن سرت تمثل خطاً أحمراً أمام الوفاق المدعومة تركياً على الرغم من أن هذا ال

خدعة الدخان والمرايا: إستراتيجية ترامب للفوز بفترة ثانية

أقل من شهر ونصف الشهر تفصلنا عن موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية المنتظرة، والتي ستحدد ليس قاطن البيت الأبيض فحسب بل مستقبل النظام السياسي الأمريكي، مع استمرار عبث الرئيس بالأعراف السياسية والتوازنات الوطنية، ومع استمرار العد التنازلي يبدو أن معسكر ترامب بدأ بكشف أوراقه وتنفيذ خطته، لضمان انتصار مرشحهم في الثالث من نوفمبر، فعلى الرغم من الفضائح المستمرة والفشل المتكرر، ما زال لدى ترامب فرصة كبيرة للفوز، إذا تمكن من استثمار التطورات الأخيرة لصالحه، وإضعاف خصمه الذي يستعد لمواجهته على المسرح وأمام الشاشات، فما أبعاد إستراتيجية ترامب للبقاء في كرسيه بعد نهاية هذا العام؟. البعد الأول مرتبط بشخصية خصمه وقدراته، في عام 2016 نجح ترامب في اغتيال شخصية خصومه الجمهوريين أولاً، ثم هيلاري كلينتون ليس باستخدام الحقائق، بل من خلال حملة عنيفة من الشتائم المبطنة والاستفزازات البذيئة، التي لم يستطع أن يجاريها أحد من خصومه، في هذه الحملة يريد ترامب تكرار التجربة من خلال إهانة بايدن نائب الرئيس السابق، باستخدام عمره المتقدم وصحته العقلية، يركز الرئيس في كل حديثه عن بايدن على قدراته العقلية، ويسخر من تص

تنازع السلام: رهانات المستقبل في السياق الخليجي

منذ استكمال نشأة الكيانات السياسية على ساحل الخليج إبان الانسحاب البريطاني من المنطقة حافظت دول الخليج الست على موقع مستقر في الساحة الدولية، يمكن تلخيص طبيعة الوجود الخليجي في الساحتين الإقليمية والدولية من خلال ثلاثة معرفات، ساحة عمل متقدمة للمصالح الأمريكية، مزود للطاقة العالمية، ومستثمر سيادي دولي، ولكن مع تغير طبيعة العلاقات الخليجية العربية مع الربيع العربي وتغير خريطة النفوذ الأمريكي عالمياً بدأت دول الخليج في البحث في اتجاهات مختلفة عن وضع جديد وموقع مختلف يتناسب مع التطورات المتلاحقة، هذا الواقع الجديد مستمد من تحول دول الخليج من لاعب متأثر إلى لاعب مؤثر إقليمياً. انطلاقة الربيع العربي شكلت نقطة تحول إستراتيجي حيث أصبح التأثير الأكبر في الساحة العربية خليجياً سلباً وإيجاباً، سواء من خلال الخطاب الإعلامي أو الدعم السياسي، تحركت قوى الخليج في اتجاهات متباينة ووقفت الولايات المتحدة في حالة ارتباك وتعاملت ببطء مع الأحداث، وتدريجياً بدأ يتكشف العجز الأمريكي في المنطقة، وعليه بدأت الدول الخليجية منفردة مشاريع تأثير مستقلة عن دائرة الولايات المتحدة، تارة بالتنسيق معها وتارة دون ذلك،

التمدد في الفراغ: خريطة التنافس الدولي حول المساحات الأمريكية

هناك إسطوانة مشروخة تتردد منذ عام 2008 تقريباً على ألسنة المتابعين والمعلقين السياسيين حول العالم، وهي أن الولايات المتحدة الأمريكية بدأت تنسحب من دورها كقطب أوحد عالمياً، يترافق ذلك مع التكهنات حول عودة العالم متعدد الأقطاب، وهو شكل النظام الدولي ما قبل الحرب العالمية الثانية، وعلى الرغم من أن الخلاف يبدأ مع الحديث عن طبيعة هذا الانسحاب الأمريكي وماهيته، إلا أن هناك توافقاً عاماً على تراجع النفوذ الأمريكي، وخاصة في عهد الرئيس الحالي الذي نجح في كشف حقيقة هذا التراجع، وتأكيد الحاجة إلى البحث عن بدائل لدى الحلفاء، هذا الانسحاب بطبيعة الحال يخلف فراغات ضخمة عالمياً، تتكشف مع كل حدث دولي ونزاع إقليمي، وبما أنه لا يمكن لفراغ سياسي أن يبقى كذلك طويلاً، تتحرك القوى الكبرى والوسيطة لملء الفراغ عالمياً، فما هذه القوى؟ وكيف تتجه نحو استبدال تأثير واشنطن؟. الغريم التقليدي لواشنطن هو - بلا شك - روسيا ومن قبلها الاتحاد السوفييتي، ومنذ عام 2008 حين دعمت موسكو انفصاليي أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية ضد الحكومة الجورجية المدعومة أوروبياً، بدأ مشروع العودة الروسي ليمر على أوكرانيا وسوريا وليبيا وأفغانستان،

محور الأزمات العشوائية: سياسات غير مدروسة ومشاريع فاشلة

لم تعدم منطقة الشرق الأوسط يوماً اشتعال فتيل الأزمات المختلفة سياسياً وعسكرياً، فلا تكاد تخلو بقعة في المنطقة من خلاف حدودي أو نزاع سياسي داخلي أو حرب أهلية أو غير أهلية، وفي كل بؤر الصراع هذه هناك أسباب مباشرة وأسباب غير مباشرة، ومع تزايد حدة الاستقطاب في المنطقة تتزايد حرارة هذه البؤر حتى تقترب من درجة الغليان ولكن ليس بسبب عوامل ذاتية بل خارجية هي في الأساس ترجمة لصراعات إقليمية ودولية. إذا أردنا تصنيف أهم بؤر الصراع في المنطقة اليوم فهي تتلخص في بؤر تشهد مواجهات عسكرية في سوريا واليمن وليبيا وبؤر تشهد أعمالا عسكرية متقطعة مثل العراق ومصر وغزة،وبؤر مؤهلة لأن تكون مسرح مواجهات مثل لبنان بما خلفه انفجار بيروت من دمار وانكشاف سياسي وشرق المتوسط في إطار النزاع بين تركيا واليونان والخليج العربي في إطار استمرار التوتر بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية.  اللافت أنه على رغم من تنوع السياقات في هذه النزاعات إلا أن اللاعب الخارجي يبدو واحداً، وهذه المرة ليست القوى الغربية هي المحرك الأساسي بل هو محور إقليمي ينتهج سياسة التأزيم في المنطقة لتحقيق مكاسب ضيقة أو إضعاف خصومه ودون أن يكون ذلك ع

السلام بين الحلفاء: قراءة بين سطور الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي

بشكل مفاجئ من حيث التوقيت لا المضمون، أعلن الرئيس الأمريكي عن التوصل إلى اتفاق "سلام" بين أبوظبي وتل أبيب، يقضي بتطبيع العلاقات بين الطرفين، صهر الرئيس جاريد كوشنر خلال تفاخره بهذا الإنجاز التاريخي أكد أن العمل جار لأكثر من عام ونصف العام للوصول إلى هذه اللحظة "التاريخية"، حتى أن الرئيس الأمريكي قال مازحاً إنه كان بوده أن يضع اسمه على هذه الصفقة ولكنه يعلم أن الإعلام لن يتقبل ذلك، وفي غمرة الاحتفالات في العواصم الثلاث بالسلام خرج المسؤولون الإسرائيليون ليكذبوا مزاعم أن الاتفاق جاء بتنازل إسرائيلي عن ضم الضفة، وأمطر الكيان قطاع غزة المحاصر بوابل من الصواريخ، وأعلن عن تنفيذ حكم السجن في الشيخ رائد صلاح تثبيتاً لنفيه أن يكون في الاتفاق أي مصلحة لأصحاب الأرض الفلسطينيين وتأكيداً على صورية الحديث عن مكاسب ولو مؤقتة للقضية الفلسطينية. التطبيع الإماراتي بحد ذاته ليس مستغرباً، أولاً تجمع أبوظبي بالكيان علاقات دافئة لسنوات منذ التعاون في عملية اغتيال المبحوح مروراً بالوفود وتبادل الزيارات والتوافق حول عدد من الملفات الإقليمية ودعم صفقة القرن وصولاً إلى هذا الاتفاق، وثانياً ه

انفجار لبنان وانهيار الأنظمة الآيلة للسقوط عربياً

ما بين غمضة عين والتفاتها تحولت بيروت إلى مدينة منكوبة، تلك المدينة التي كانت حتى عهد قريب وجهة السياح وموضوع الشعراء ومصدراً لإلهام الفنانين باتت كومة من رمال وزجاج مكسور، كل ذلك ليس نتيجة حرب أهلية كما كان، أو قصف إسرائيلي، بل فساد إداري ومحاصصة طائفية فعلت بلبنان ما لم تفعله صراعات المليشيات ولا صواريخ المحتل، عدو الشعب الأول اليوم لا يلبس بزة عسكرية بل يجلس خلف مكتب حكومي. ما أن هدأت ثورة الانفجار في بيروت حتى اشتعلت جذوة نيران الغضب الشعبي فيها، والذي انصب باتجاه النظام الفاشل الذي أفرزته اتفاقية الطائف، هذا النظام الذي أنهى الحرب الأهلية في لبنان ظاهرياً، وضع لبنة الفساد والدولة منزوعة السيادة التي يعاني منها هذا البلد اليوم، وكل من زار بيروت يعرف أنها ضحية لتاريخ من الحروب غير ذات الطائل، ومسرح لصراعات ليس لها فيها نصيب، وفوق هذا كله يجثم الفساد على صدور ساكنيها الذين لا ينعمون حتى اليوم، وبعد مليارات المساعدات والاستثمارات، باستمرار الكهرباء يوماً كاملاً دون انقطاع. منذ انسحاب النظام السوري من لبنان والصراع تدور رحاه بين قوى تدعمها طهران وأخرى تدعمها الرياض وبقية من نفوذ أوروبي

في ذكرى غزو الكويت وخيانة العروبة

في صيف عام 1990 فجعت المنطقة بجريمة احتلال الكويت من قبل نظام صدام حسين في العراق، أدخل هذا الفعل الأخرق المنطقة في حالة ضعف وتشرذم لم تتعاف منها حتى يومنا هذا، كانت جريمة احتلال الكويت قاصمة ظهر بالنسبة للخطاب القومي تحديداً، فتبدد حلم الوطن العربي الواحد على يد دعاته، انقسم العرب شعوباً وحكومات بين مؤيد لطاغية لبس زيفاً رداء العروبة في مواجهة أعدائها ومدافع عن حق الكويت والكويتيين في الحرية، ما أن تحررت الكويت حتى تكشف حجم الشرخ الذي خلفه الغزو في جسد الأمة العربية، ومنذ ذلك الحين خفت نجم القومية العربية الذي بدأ تراجعه منذ هزيمة 67 ليس في الخليج فحسب بل في الأمة جمعاء. الكثير من أبناء الشعوب العربية وجدوا في صدام وحربه على إيران وخطابه حول إسرائيل صورة رومانسية للحاكم العسكري القومي القوي، وجدوه استعارة ضعيفة لنموذج جمال عبدالناصر الذي ظل قطاع كبير من الأمة متيماً بقصته وخطاباته حتى بعد انحسار مشروعه، ولكن، كما انتهى حلم عبدالناصر بسقوط الوحدة مع سوريا عام 1961 ثم الهزيمة بعد 6 أعوام، انتهت رمزية صدام حسين ونظامه بعد غزوه للكويت، تكشف وجه النظام الحقيقي كنظام قمعي توسعي يستغل العاطف

ما بعد آيا صوفيا.. التغيير الحاسم قبل المواجهات الكبرى

على الرغم من الاستعدادات المبكرة وتوقع الجماهير الغفيرة فاجأت الأعداد الضخمة التي شهدت صلاة الجمعة الأولى في آيا صوفيا حتى بلدية إسطنبول نفسها ما اضطرها إلى توجيه نداء لمواطنيها بالتوقف عن التدفق نحو المسجد بعد أن امتلأت قاعات الصلاة داخل المسجد وساحاته والميادين الخمسة التي خصصت للصلاة حوله، حسب بعض التقديرات وصل عدد المصلين إلى 350 ألف مصل قدموا من مختلف أنحاء إسطنبول ومن خارجها في شهادة واضحة على رمزية هذه اللحظة التاريخية دينياً وثقافياً وسياسياً بالنسبة للأتراك على اختلاف مواقفهم السياسية. لم يقتصر الترحيب بالقرار على حزب الرئيس ومؤيديه بل امتد إلى أبرز خصومه، بدءً برفقاء الأمس مثل أحمد داوود أوغلو وعبدالله غل وانتهاء بمحرم إنجه المرشح السابق للرئاسة عن حزب الشعب الجمهوري الكمالي المعارض الذي حضر الصلاة، كما صرحت تانسو تشيلر رئيسة الوزراء السابقة المنتمية للمعارضة الكمالية بأن هذه تمثل لحظة تاريخية للأتراك جميعاً، لا شك أن بعض النخب العلمانية ذات الانتماء الأوروبي أعلنت عن معارضتها للخطوة عبر مقالات ومقابلات نشرت في الصحافة الغربية ولكن الأجواء بشكل عام في الداخل التركي جاءت

الحرب على الحقائق: الانزلاق العالمي نحو الجهل

في روايته الشهيرة 1984 افترض جورج أورويل أن مستقبل الدولة والنظام السياسي سيتضمن إعادة إنتاج للمعلومة عبر وزارة " الحقيقة " وأن هذا الإنتاج سيأخذ صبغة البروبغاندا ولكن ليس من خلال التشكيك بالحقائق بل من خلال استبدال الحقيقة بخلافها، هذا الواقع لمسه العالم خلال الحرب العالمية الثانية والدعاية السياسية النازية والفاشية وكان ذلك دافع أورويل في هذه الرواية وغيرها، ولكن الحرب على الحقيقة استمرت وتجسدت في التعتيم الإعلامي الذي مارسه الاتحاد السوفييتي وثورة ماو الثقافية، ومع انهيار اتحاد الأنظمة الشيوعية أو تبدلها وثورة المعلومات التي رافقت نهايات القرن الماضي ساد اعتقاد أن حجب المعلومة لم يعد خياراً للأنظمة الشمولية ولا غيرها، ولكن الواقع اليوم يروي لنا حكاية مختلفة . مع تصاعد وتيرة انتشار المعلومات وسهولة الوصول إليها تنافست مدرستان في تحليل مستقبل المعلومة، الأولى والتي استعارت من الاقتصاد ممارسات السوق افترضت أن سوق المعلومات سيضبط نفسه، أي أن ثور