راكبوا موجة ترمب

مازال الرئيس الأمريكي دونالد ترمب يواجه منتقديه في الداخل والخارج بنفس الطريقة التي عهدناها خلال حملته الانتخابية، سلسلة من الأكاذيب وتزوير الوقائع، انتقاد للإعلام والنخبة السياسية واتهامهم بالتحيز وترويج الأكاذيب حوله، وتوظيف جيش المتطرفين على وسائل التواصل الاجتماعي للدفاع عنه، والآن وبعد جولته العالمية يواجه ترمب أوروبا غاضبة، واتهامات بالتخابر مع روسيا في بلاده، في خضم هذا كله أطلق ترمب حملته على الأرهاب بتعريفه الجامع الذي استحدثه مع بعض حلفاءه، يهدف ترمب من خلال هذه الحملة إلى التغطية على خلافاته الداخلية والخارجية من خلال وضع البلاد في حالة حرب، والأيام القادمة ستشهد تصاعداً في اللهجة العسكرية لترمب وتفاعلاً من بعض الحلفاء في المضي على خطى ترمب في محاربة كل ما يسميه هو إرهاب.

على هذا الصعيد هناك من يريد ركوب الموجة، والاستفادة من اضطرار ترمب إلى الظهور بمظهر المحارب للإسلام الراديكالي سريعاً من خلال إدخال مشاريعهم في هذه الأجندة، ورأينا ذلك من خلال الحملة الشعواء على قطر وتركيا وقصف ليبيا والتحركات الانفصالية في اليمن والتي ربطت جميعها بمحاربة "الإرهابيين" وداعميهم، الحملة على قطر تحديداً هي امتداد لعمل مركز منذ تولى ترمب رئاسة الولايات المتحدة لإقناع إدارته بأن قطر داعمة للإرهاب، وانطلاقاً من تعريف الإدارة الأمريكية الموسع للإرهاب فإن ذلك يشمل حركة المقاومة الإسلامية حماس وثوار سوريا وليبيا الإسلاميين، أما الإخوان المسلمون فما زال الجدل يدور في واشنطن حول اعتبارهم منظمة إرهابية.

الحملة على قطر وجدت لها مكاناً مناسباً في الأجندة الأمريكية ودفع هذا أعداء قطر إلى توظيف كل الإمكانيات الإعلامية لإثبات علاقة بين قطر ومجمل القوى التي تنظر إليها الولايات المتحدة على أنها إرهابية، لذلك كان الحرص على ربط قطر بإيران وحماس وداعش والقاعدة وطالبان والنصرة وحتى إسرائيل في نفس واحد، وعلى الرغم من التأكيدات القطرية الواضحة تستمر الحملة في اتجاه تصاعدي على أمل أن تقتنع الولايات المتحدة قناعة تدفعها إلى التحرك ضد قطر دولياً، والواقع هو أن الولايات المتحدة حتى اللحظة لم يصدر من مسئوليها الحاليين أي موقف ضد قطر بشكل واضح، وإن كان بعض مستشاري الرئيس لمح إلى الخليج بشكل عام في دعمه لقوى لا تحبذ إدارة ترمب دعمها.

من جانبها يبدو أن الولايات المتحدة تود أن تنشغل بعض الأنظمة مثل النظام المصري في مغامرات عسكرية في ليبيا والسودان وغيرها تقوم من خلالها بأدوار يصعب على الولايات المتحدة القيام بها دون أن تواجه ردة فعل عنيفة عالمياً، والضغط على تركيا وقطر من خلال مثل هذه الأنظمة يأتي في هذا الإطار، فإدارة ترمب تربطها بتركيا وقطر علاقات اقتصادية وسياسية مهمة، الدولتين تستضيفان قواعد عسكرية أمريكية والاستثمارات المتبادلة بين الطرفين أكبر من أن يتم تجاهلها لصالح حملة ترمب الإعلامية ضد الإرهاب.

الإدارة الأمريكية بعد حين ستضطر إلى اتخاذ موقف صريح من راكبي الموجة الذين طاروا بحملة ترمب ضد الإرهاب إلى أفق لا تخدم المصالح الأمريكية بشكل مباشر، ربما يتأخر ذلك قليلاً ريثما تحقق الولايات الأمريكية بعض مصالحها هنا وهناك ولكنها في النهاية ستضطر إلى أن تضع حداً وإلا سيتسبب ذلك في انهيار مشروع ترمب الخارجي سريعاً، ترمب الآن يبشر بنجاح زيارته إلى المنطقة في تحقيق مكتسبات اقتصادية للولايات المتحدة، وسيسعى لتحقيق مكتسبات إعلامية من خلال ذلك، ولكن أثر هذه المكتسبات لن يدوم طويلاً خاصة مع استعداء أوروبا ومواجهتها لمشروع ترمب ضد الإرهاب.


راكبو موجة ترمب يذكرون بمن حاولوا ركوب موجة بوش قبله وحربه ضد الإرهاب، لم تنته فترة بوش حتى جنوا ثمار تلك الحملة من خسائر مادية وخلل أمني وما زلنا حتى اليوم نجني ثمار تلك الحملة كمنطقة، لذلك على أولئك الذين يريدون استغلال حماس ترمب في تمرير مشاريعهم أن يحسبوا تحركاتهم لأنها على المدى الطويل سيكون لها انعكاسات مباشرة على المنطقة ستستمر بعد رحيل ترمب ومشروعه وتغير المزاج في واشنطن، أما السياسات الراسخة ذات الأبعاد الاستراتيجية التي تتجاوز تغير المزاج الأمريكي فهي التي ستبقى وتؤتي أكلها ولو بعد حين.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أفغانستان بداية جديدة أم استمرار للصراع؟

“أوكيس” طعنة ثلاثية في الظهر الفرنسي

قمة أخرى...وشائعات جديدة