تراجع الأحزاب الإسلامية السياسية وصعود الحركات المسلحة



شهدت السنوات الأخيرة تحولاً هادئاً ومهماً في العالم الإسلامي، يتعلق بمكانة الإسلام السياسية، كان الإسلام وسيظل مركزياً ومحورياً في الحياة العامة في معظم دول العالم الإسلامي، ولكن صعود نجم الأحزاب الإسلامية في دول وأفوله في دول أخرى هو نتيجة إعادة تموضع للإسلاميين أنفسهم، وتغير الخريطة السياسية في المنطقة بشكل عام، أبرز التحولات نشهدها في تراجع شعبية النهضة في تونس والعدالة والتنمية في تركيا حسب استطلاعات الرأي المختلفة، وخسارة حزب العدالة والتنمية المغربي المدوية في الانتخابات الأخيرة، بالإضافة إلى تراجع ملحوظ لتأثير الأحزاب الإسلامية في عدد من الدول الآسيوية مثل باكستان وماليزيا وإندونيسيا، في المقابل حركة حماس في غزة وطالبان في أفغانستان تتزايد مركزيتهما في الحالة السياسية في فلسطين وأفغانستان إلى حد تحول الأولى إلى اللاعب الأهم فلسطينياً مع تراجع فتح والثانية إلى الحاكم الفعلي للبلاد بعد سقوط كابل، فهل نحن في زمن تراجع الإسلاميين أم صعودهم؟.

التراجع الملحوظ لأحزاب الإسلام السياسي في عدد من الدول الإسلامية يرتبط بمجموعة من العوامل، أهمها هو اختبار هذه القوى في السلطة أو حولها خلال العقد الأخير، فحزب العدالة والتنمية التركي يحكم منذ 2002، وفي تونس كانت النهضة جزءاً من السلطة بشكل أو بآخر منذ تأسيس نظام ما بعد الثورة، وفي المغرب شكل العدالة والتنمية الحكومات المتعاقبة منذ 2012، هذا الوجود في السلطة أو أروقتها خلال السنوات الأخيرة له نتيجتان، الأولى هو ما يطلق عليه "إرهاق السلطة"، فالحزب الذي يتولى السلطة في الأنظمة الديمقراطية يعاني بعد فترة من عدم قدرته على إحداث التغيير، ويصطدم بالتحديات الحقيقية التي يكون معفياً منها خلال وجوده في المعارضة، النتيجة الثانية مرتبطة بالذاكرة الشعبية القصيرة التي تتجاوز ذكريات مرحلة ما قبل تولي وجود السلطة الحالية وتحاسب السلطة على وضعها الحالي وحسب، هذه هي طبيعة التداول السلمي للسلطة على أي حال، وقد يقول قائل إن الضغوط غير الطبيعية الخارجية والداخلية المعادية كانت سبباً وراء انحسار شعبية هذه الأحزاب وعدم قدرتها على الوفاء بالكثير من وعودها، وهذا ليس بعيداً عن الواقع، ولكن عدم قدرة هذه الأحزاب في كثير من الأحيان على تحقيق الوعود التي قدموها حتى في إطار الخطاب الإسلامي ليست نتيجة لهذه الضغوط فحسب، بل يمكن أن يعزى ذلك أيضاً إلى ضعف الديمقراطية الحزبية وسيطرة القيادات التاريخية.

في المقابل تحتل حركة المقاومة الإسلامية (حماس) اليوم المكانة الأهم بين القوى الفلسطينية، ويعود ذلك أساساً لنجاحها في المواجهة مع العدو الصهيوني في الحروب المتعاقبة، ولدورها "المقاوم" بينما تحدثت العديد من المصادر عن تراجع لشعبيتها في غزة؛ نتيجة لإكراهات الحكم خلال السنوات الأخيرة، تتزايد شعبيتها بشكل كبير في الضفة والداخل وخاصة بعد المواجهة الأخيرة مع الصهاينة، وفي حالة طالبان وإن لم تتوفر البيانات حول تأييدهم في الشارع الأفغاني إلا أن المؤشرات الميدانية تدل على أن الحاضنة الشعبية للحركة تعززت خلال العامين الأخيرين وبشكل كبير، في الحالتين ساهم فساد الطرف المقابل وفشله في تحقيق التطلعات الشعبية في صعود الحركتين، كما أن إحباطات التغيير السلمي بعد تراجع الربيع العربي وغيره من محاولات التغيير عبر العالم الإسلامي وفشلها في تحقيق التغيير المنشود بالوسائل السلمية عزز سردية أن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة، اليوم يكتسب الخطاب المؤيد للتغيير عبر السلاح شعبية أكبر بسبب قدرته على إحداث تغيير على الأرض، ولكن هذه القوى نفسها ستواجه تعقيدات أكبر بعد غياب المواجهة المسلحة أو تحولها إلى أولوية ثانية بعد إدارة الشأن العام.
الحديث عن أفول نجم الإسلام السياسي أو صعود نجم الحركات المسلحة لا يمثل حتمية سياسية، هو بندول سياسي يتحرك بناءً على التغيرات في الواقع السياسي، ولكن الضغوط غير الطبيعية من طرف اللاعبين المعادين للإسلام السياسي بهدف إبعاد الإسلاميين بالقوة وشيطنتهم لن ينتج عنها إلا صرف القلوب نحو نماذج التغيير المسلح، الفترة القادمة ستشهد إعادة تشكل للمشهد السياسي في عديد من الدول الإسلامية وإعادة تموضع مهمة للإسلاميين وبقية القوى السياسية.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أفغانستان بداية جديدة أم استمرار للصراع؟

“أوكيس” طعنة ثلاثية في الظهر الفرنسي

قمة أخرى...وشائعات جديدة