ثم أما بعد

مع إعلان نتائج الانتخابات الأولى لمجلس الشورى في قطر تنتهي المرحلة الأولى من تجربة سياسية جديدة تنتقل معها البلاد إلى نموذج تشريعي جديد، مرت الانتخابات بمراحلها المختلفة وبما احتوت من حوار مجتمعي وتصورات مختلفة للتغيير المرتقب مع المجلس المنتخب، ولكن يبقى السؤال، ماذا بعد؟

التحديات الحقيقية في هذه التجربة تبدأ الآن، فبعد أن يعين صاحب السمو أمير البلاد المفدى الثلث المتبقي من أعضاء المجلس ينتظم عقده مع افتتاح دور الانعقاد، ويبدأ التفاعل بين السلطتين التنفيذية والتشريعية بشكله الجديد، هذه التحديات يمكن تصنيفها على مستوى الحكومة والمجلس والناخب، أما الحكومة فلا شك أن هناك منحنى تعليمياً ستمر به الطبقات الإدارية المختلفة مع تعزز الدور الرقابي للمجلس وخروج مداولاته إلى العلن، كثير من الإجراءات التي كانت تتم دون أن تجد طريقها إلى نقاش في الحيز العام ستصبح اليوم حديث الشارع، هذا الأمر سيكون له تأثير على أداء الجهاز البيروقراطي وتعامله مع أمور روتينية في الدورة التشريعية، ثقافة التعامل مع مجلس منتخب بدور رقابي تمثل تحدياً للمسؤول الحكومي يرتبط بتغير ثقافي وسياسي على المستويين الشخصي والمؤسسي.

أما بالنسبة لأعضاء المجلس فيتمثل التحدي الرئيسي في استيعاب الدورة التشريعية بتفاصيلها الإجرائية بينما يطلب منهم مباشرة النظر في التشريعات التي ستعرض أمام المجلس، وفي الوقت ذاته ستكون التوقعات منهم كبيرة من قبل الناخب الذي يمر هو الآخر بمرحلة تتكون فيها صورته حول المجلس وأدواره، إدارة هذه المرحلة للوصول إلى مواءمة بين معرفة العضو وثقافة الناخب وطبيعة الدورة التشريعية ستحتاج إلى وقت ولن يكون الأمر تلقائياً، بل سيمر بمراحل مخاض صعبة.

كناخبين ستكون علينا مسؤولية خاصة في الرقابة على أداء المجلس، معظم الناخبين في كل السياقات الديمقراطية تنقطع صلته بالعملية التشريعية مع استقرار ورقته في صندوق الاقتراع، ولكن حداثة التجربة وصغر حجم المجتمع سيتطلب منا دوراً أكبر ومتابعة أدق ووعياً أشمل بتفاصيل ما يتم في قاعة المجلس، وعلينا وضع سقف التوقعات في مكانه الطبيعي وإعطاء الفرصة لتشكل العلاقات الجديدة بين مكونات السلطة والتحولات المرتبطة بالمرحلة، ولكن نجاح التجربة ليس مسؤولية السلطتين فحسب، بل تقع المسؤولية الأكبر على الناخب الذي سيكون تفاعله مع المرحلة القادمة أهم من دوره في انتخاب من يمثله في المجلس.

المواطن وعضو المجلس والمسؤول الحكومي هم الأركان الثلاثة لنجاح هذه التجربة ومن خلال التواصل الفعال بين أطراف التجربة والتراكم السريع للمعرفة والتجربة والتصحيح الميداني لآليات العمل المترافق مع إصدار التشريعات اللازمة في وقتها سيمكن الوصول سريعاً إلى حالة صحية يكون فيها هذا التغيير بحق نقلة مفصلية في تاريخ قطر الحديث، وفق الله الأعضاء الجدد في مهامهم ووفقنا جميعاً للمساهمة في رفعة هذا الوطن.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

أفغانستان بداية جديدة أم استمرار للصراع؟

“أوكيس” طعنة ثلاثية في الظهر الفرنسي

قمة أخرى...وشائعات جديدة